أيتها القبور
أنتِ التربة الخصبة التي عليها تُـلقى بذور الإنسان فتنطلق براعم الأبدية، البراعم الخضرة، العطرة، النقية، عند أعتابك ينتهى الزمن، وعلى أبوابك يصحو الفجر ذو العينين المنيرتين والأصابع الوردية.
أنتِ باب الأبدية، بداية الطريق إلى عالم النور والحق والحرية، على ترابك تسكن الآلام، وتكف الجراح عن الأنين، ويخرس الشك، وبين يديك يموت الضلال، وتسود الألفة بين الإنسان وسائر المخلوقات .
نظرت بين جدرانك فلم أرَ فقيراً، بل رأيت المساواة تسود بين البشر، ولم أرَ طبيباً لأنَّ المرض لن يدخل إليك، أو كاهناً لأنَّ الضمير أصبح الكاهن الأعظم، ولم أرَ محامياً لأنَّ طبيعة الحياة ألزمت الإنسان على عدم فعل الشر!
أيتها القبور
يا عيون الأبدية، يا كتاب التاريخ الحقيقيّ، الذي لا يمسّه الزور من قريب أو بعيد، يا سطور البداية والنهاية، يا أغرب لوحة، نصفها ظلام ونصفها نور، ألوانها مادية ونورانية، وملامحها زمنية وسماوية.
أيتها القبور أسألك
هل رأيتِ أمير النور وهو يشق حجارتك الصماء؟ أرأيت الفارس السماويّ الذي امتطى الزمن وهو يشعل النور في الظلام، أرأيتِ شمس البر وهو يغسل جدرانك بأشعته الإلهية، ويسكب على ترابك دمه وعرقه وينفخ في جدرانك أنفاسه الأزلية؟! قولي لنا بحق ماذا رأيتِ وماذا سمعت؟!
تعترف لك ياسيدي كل الأفواه المسدودة التى فتحتها، والألسن التى ربطها الموت وحللتها..يُرتل لك كل الأبرار والصديقين بقيثاراتهم من داخل قبورهم، لأنّك كسّرت قيود الحديد وحطّمت متاريس الهاوية
كل جنس الأموات يمجدونك كثيراً، لأنّك سحقت الحيّة الخبيئة وضمدت الجروح بصليبك.
الآن فليأتِِ آدم إلى جنّة عدن مسكنه الذي طُرد منّه، ولتأتِِ معه حواء، لأنَّ يسوع عتقها من صك إبليس الذي أغواها.
غطس مُخلّصنا في بحر الموت وصعد يحمل جوهرة الخلاص الثمينة، فلنفرح جميعاً بموته الذي أحيانا، ونمجد قبره لأنَّ منه خرج الخلاص.