مرحباً بكم في مدونة دير السيدة العذراء المحرق وهي تحتوي علي تراث الدير وسير وصور قديسي وعلماء ورهبان الدير مع العلم أن هناك روابط لا تغتح إلا إذا كنت مشتركاً في الفيس بوك

الثلاثاء، 22 ديسمبر 2009

قصة العذراء القديسة مريم


بدأ العهد القديم بمعصية حواء وتعدّيها على وصية الله، لقد تناولت الكأس من يد الشيطان لترتشف ماء السعادة، فكان في الكأس سُم أمات فيها الحياة الإلهية، حياة النعمة والبراءة.

فوجدت حواء عارية من كل بر وطُردت من فردوس النعيم، فخرجت تبكى عهد الحب، يوم أنْ كان الفردوس شعاعاً منيراً وحديقة غنّاء.

وتحبل حواء بالمعصية فتلد الكبرياء والحسد والغيرة والكراهية... وشهدت بكرها قايين يقتل أخاه هابيل البار حسداً وغدراً! ورأت الظلم يطغو على العدل، والكبرياء يدوس التواضع، والقوى يتغذى على الضعيف، والغنى يبتز الفقير، وهالها منظر المتمردين وهم يقتلون الأبرياء، وعرفت مرارة الفضيحة والخيانة، وذاقت آلام الموت والتشرد..

فبكت حواء على معصيتها التي غرستها في أرض لم تُثمر سوى بشرية بغيضة، وغبّطت البطون العواقر التي لم تلد.

لكنَّ الأيام تتعاقب وتلد حنة زوجة يواقيم زهرة عطرة في بستان الحياة، إنها مريم الطاهرة، وتنمو الطفلة وتفوح رائحتها الطيبة، وقبل أن تُزف إلى يوسف عروساً فوجئت بزيارة الملاك جبرائيل، يحمل لها رسالة من الله: إنَّها ستحبل وتلد ابناً وتسمّيه يسوع.

وتذهب مريم لزيارة أليصابات، فلما رأتها العجوز امتلأت من الروح القدس وارتكض المعمدان في بطنها ابتهاجاً، أو قل سجوداً للإله المتجسد المحمول في بطن مريم أُمه.

فلمَّا جاءت أيامها لتلد قادها التدبير الإلهيّ إلى بيت لحم، وهناك أُغلقت الأبواب في وجهها وتحجرت القلوب نحوها.

وتهرب مريم إلى مصر من وجه هيرودس الطاغية،
فقد أمر بقتل أطفال بيت لحم لعله يقضي على ملك الملوك!!

وينمو الصبيّ ويعمل في النجارة صناعة أبيه، لكنه لا يلبث طويلاً في تلك الحرفة، لأنَّه ينبغي أن يكون في ما لأبيه، في الهيكل يُعلّم الناس أسرار ملكوت السموات.

ويُدشّن يسوع العهد الجديد بمعجزة ألا وهى: تحويل الماء خمراً في عرس قانا الجليل بناءً على طلب أُمه، فأعادت مريم العذراء تلك الينابيع التي حولت حواء خمرها ونعيمها إلى ماء مر، أعادتها صفاءً ونقاءً!


وهكذا عاش يسوع جميلاً كالربيع، وكانت عيناه كالعسل ممتلئتين من حلاوة الحياة، وكان على فمه عطش قطيع الصحراء لبُحيرة الماء، فهو يريد أن يعلّم ليجتذب إليه أبناء للملكوت، فما الذي حدث للربيع فتحوّل فجأة إلى خريف؟! ما الذي جعل الظلام يطبق بسحابته على النهار؟!

لقد كان لابد للحياة أن يموت لكي تحيا البشرية المائية بموته، ويموت البار وتلفه مريم بلفائف حبها كما قمطته في المذود بأقمطة حنانها.

لقد تناولته بين ذراعيها جثماناً بارداً لا حياة فيه وهو الواهب الحياة، ولكن رغم برودة جسده إلاَّ أنَّها أحسّتْ بلهيب محبته، تُرى كم كانت آلام مريم وهى تدفن ابناً لم يرَ من الحياة سوى آلامها؟!


لقد مضى يسوع وانتهت المعركة بين النور والظلمة، وأعطى كوكب الصبح نوره، وقد وصلت السفينة إلى الميناء بسلام، ويسوع الذي اتكأ على قلبها يتموج في الفضاء، وتعود مريم إلى أورشليم متكئة على ذراع يوحنا كما لو كانت قد حققت كل آمالها في الحياة، ولا يبقى سوى أن تبدأ رسالة جديدة، رسالة الأُمومة، فيسوع في حاجة إلى إخوة جدد بالروح.

فدخلت مريم البيوت لترفع من شأن المرأة والأطفال، وتودع طهرها الشباب.. فهجر الناس بيوتهم ليكرزوا بالإنجيل، وأصبحت صورتها تحرس البيوت وأيقونتها تزين الصدور.. ونحن نصلي ونقول:

مريم لا تنسينا بصلاتك عينينا يا عدرا يا أمي صلي لأجلنا

الأربعاء، 16 ديسمبر 2009

غـــــرض السـكـون


أهمية وجود الغرض

+ ثبّت هدفك فى ذهنك، لتكون أعمال سيرتك موجهة كلها نحو الله.
+ وكما أن الناس فى كل فعل يريدون أن يبدأوا بعمل لهم فيه قصد وغرض، وهذا الأمل الذى ينتظرونه يحرك فكرهم أن يضعوا أساساً لذلك الشىء، وغرضهم منه هو الذى يشجع فكرهم على تحمّل الضغوط الموجوده فى العمل.. هكذا أيضاً عمل السكون الجليل ميناء كل الأسرار.
+ والذى من مبدأ سكونه لا يضع لنفسه هذا الغرض، وإليه يصوّب عمله، بل يعمل كيفما اتفق، فهو مثل من يرعى الريح، ولا يتخلص أبداً من روح الضجر كل أيام حياته، وأحد أمرين يحدث له: إما أنه لا يقدر أن يتجلد فى ثقل الحبس،فيخرج من السكون بالكلية. أو أن يتجلد ويثبت، فتكون قلايته له مثل السجن، وينقلى فيها.

+ كثيرون يعملون أعمالاً كثيرة، بغير غرض مستقيم، مع أن الأثمار الحقيقية لا تخرج من العمل، وإنما من القصد الذى لأجله عُمل العمل.

ليس غرض السكون عمل فضائل المجمع

+ تاه عن كثيرين هذا، وما يعرفون ولا يفهمون، أننا نحن المتوحدين لسنا لأجل عمل الفضائل نحبس أنفسنا داخل الباب، بل حتى من الفضائل أيضاً نكون موتى (أى نموت عن محبة الفضائل التى تُعمل وسط الناس)، لأن الفضائل إنما يصنعها الأحياء وهى وسط كثيرين تُعمل، فإن كنا نطلب من السكون عمل الفضائل، وإخوتنا الذين فى المجمع لهم بعينها أيضاً يطلبون، فما لنا والهرب والحبس وقبر القلاية ؟ بل نحن نقتنى من عمل السكون، الشىء الذى إذا ما تعلقنا من جفون أعيننا، لا نناله بالسكنى مع كثيرين، ولا نستطيع اقتناءه.
+ ولو كان قصدنا من عمل الفضيلة وأعنى بها الصوم وخدمة الأوقات والصدقة وما يُشبه هذا.. فما هو المانع من عملها فى السكنى مع كثيرين؟! بل وبالأكثر ينشطها عمل المجمع.
+ أما التنعم الروحانى الذى بالعمل الخفى يوجد، فلا يُعد مع الفضيلة لأنه سيد الفضائل.. أما الفضيلة فهى عمل ظاهر يكمل بحواس الجسد من أجل الله، ولكن نعمل هذه الفضائل أولاً فى المجمع، وبعد أن نتخرج ونتدرب ندخل إلى السكون، ونأمل أن نقتنِىِ فيه شيئاً، معروف أن صوت الطير يُكدّره..
+ هوذا ننظر كثيرين من الآباء الروحيين،ما كانت لهم قوة، لكى يكملوا بها الفضائل، وما رأوا أن يتركوا السكون، بل كانوا مُلقين داخل الباب، والباب مسدود وكانوا هادئين فقط، فلسبب كان ينبغى أن يتركوا السكون، لأجل أنه لم تكن لهم أعمال (أصوام وميطانيات..)، لكن ما كانت حلاوة الوحدة تتركهم أن يعطوا أنفسهم لنظر المجمع على الدوام.كانت حلوة عندهم صلاة واحدة بالسكون فى قلبهم، يُقدمونها لله بحزن واتضاع وهم مُلقون، خيراً من رِبوات صلوات وأعمال.. يُقدمونها لله خارج قلاليهم، وأفضل من نظر ومحادثة فضلاء العالم وحضور الأعياد..

ليس غرض السكون تكميل القوانين

+ نحن السكان فى الوحدة مع أنفسنا، فى الهدوء والحبس، لسنا من أجل التعب والقوانين نفعل هذا، فمعروف أن الخلطة مع كثيرين، تنشط على هذا من أجل حفظ الجسد وحرصه، ولو كانت الضرورة إلى هذا فقط ماكان أُناس صالحون وآباء قديسون يتركون الحديث والخلطة بالناس، ومنهم من سكنوا المقابر، وآخرون المغاير والجحور..بزيادة، وتُبطل همته عن إتمام القوانين، ومع كل ضعف واسترخاء الجسد، وشدة المرض الذى كان يلحقهم، كانوا يصبرون على الوحدة، حيث كان فيهم أُناس ولا على أرجلهم كانوا يقدرون أن يقوموا، ولا صلاة حسب العادة يُقرّبون، وما كانوا يقوون على أن يسبحوا الله بأفواههم ولا مزموراً واحداً.. وإذ هم فى هذا الضعف ضبطوا السكون، واختاروه على القوانين، وبهذا المذهب أجازوا كل أيام حياتهم، هذا الذى يُظن به أنه بُطلان.. وما كانوا يُحِبون ولا يرون- من أجل البطالة من الأعمال والقوانين - أن يدوروا خارجاً، ويذهبوا إلى الكنائس، ليتعزوا بالأصوات والتسابيح التى لآخرين..

غرض السكون

+ والقصد المستقيم هو أنه من أجل الله ومن أجل حُبه، يسكن المتوحد فى الهدوء والحبس، ولا ينظر بفكره أن يأخذ أجر أعماله شيئاً من هذا العالم، لا نياحاً جسدياً ولا ربحاً بشرياً، ولا رئاسة وتدبيراً، ولا مدحاً ومجداً وكرامة، بل جميع قصده أن يؤهل لحب ربنا يسوع المسيح الكامل ولنظره بالروح.
+ واحدة هى المطلوبة فى كل وقت، والتى نصنع كل الأشياء لأجلها: أن نحرص أن نرضى الله ونجده فقط، ونترك كل شىء ونزدرى بكل شىء.. لكى نجد الواحد الذى هو لنا كل شىء.. نحرص أن نقتنى بالسكون سكوناً، أعنى بسكون الجسد نقتنى سكون النفس، لأن السكون بالجسد يولّد سكون القلب.
+ فالآن نُحِب السكون يا أُخوتى لكى يموت العالم من قلوبنا.
+ اجلس فى قلايتك حسبما يليق بطقس عمل السكون الصغير الذى هو حفظ الأسابيع.قال أنبا أنطونيوس للقديس بولا البسيط تلميذه: من غير تدبير السكون لايمكن أن ينظر الإنسان نفسه ويفهم آلامه، لأن النفس من الاضطراب الذى يلاقيها من الخارج، لا تقدر أن تتأمل ذاتها فى الحروب المتحركة عليها خفية.. أما فى السكون فنقدر على الفتك بما يتحرك من الداخل

السكون في تعاليم مار إسحق

تعريف السكون

+ السكون هو نقص حواسنا عن العالم.. وهو حل حواسنا عن العالم.
+ تربية السكون هى الإنحلال من الكل.. لأن مُسمّى السكون وكُنيته (لقبه) هو من كل الأشياء وعدم السجس (الكدر) والاضطراب، والهروب من كل الأمور..

+ اعلم أن مبادىء سيرة المتوحدين هى: التجرد، والسكون، وعدم الارتباط بإنسان، أو بأمر ما..
+ المتوحد هو إنسان ترك العالم، ومجده وغناه، وأخذه وعطاءه وربحه، وترك بلده وأقاربه، وانتقل إلى المجامع والأديرة، أو إلى الجبال والبرارى، ليجلس فى السكون ويعمل بيديه ويقيت نفسه، أو تُعطى له صدقة من المؤمنين حسب اعتيازه فقط، ويعبد الله ليلاً ونهاراً.

تطـويب السكون

+ طوبى للنفس الساكنة بالكلية وقد ذاقت فى داخلها شهد عسل نمو القلب.

دعـوة لحياة السكون

+ كل موضع تصير فيه، كن منفـرداً بضميرك متوحداً وغريباً بالقلب..
+ يا أخى أحِب الوحدة ولو أنك عاجز عن جميع حقوقها..
+ أحِب الصمت والسكون أكثر من كل الأعمال.. أكثر من التعب، أحِِب السكون بحرص لأن فيه تجد نفسك الحياة.
+ ولأجل أن جيلنا الردىء لا يساعد على هذا، لكى نجد الهدوء بالتمام والسكون الحقيقى، مثلما كان فى الأجيال الأولى فـأى موضع نكون فيه فلنجلس مع أنفسنا ولو أنه يوم واحد، ليس فى الدير فقط بل وفى الطريق، وفى أى موضع كان، ولو أنها ساعة واحدة.
+ كل موضع يقـع فيه بيدنا السـكون فلنضبطه حسناً.. ويكون نظرك إلى ذاتك ولا تتركه خارجاً عنك، لأنك مادمت تنظر إلى غيرك فلا تبصر نفسك، أما إذا وجهت نظرك إليك، استطعت أن تُبصر نفسك.تحذير لمن يمنعه المتوحد الذى له كفاءة لنعمة السكون، وقد حظى بهذه الموهبة من الله.
+ إن كان أحد من الأساقفة أو من رؤساء الأديرة، إما من أجل نياح ما، أو عمل جسدى، أو من أجل غيرة وحسد.. يعوقه عن هذه الموهبة، فهذاعليه دينونة قدام الله، وهو مزمع أن يُعطى جواباً قدام منبر المسيح.

حروب السكون

+ ثلاث حروب صعبة تلتصق بحياة الانفراد فى القفر وهى: الخوف المرعب فى الليل، الضجر، المحزن فى النهار، حروب الشياطين.

+ هذه الحروب تأتى على الإنسان فى البرارى، فإن كان بسيطاً، غير مدرب، وليس فيه حُب لربنا، وقليل الصبر، وبلا مرشد .. فإنه سريعاً ما يتأذى عقله.
+ فليحذر الأخ الذى لا يقدر أن يثبت تجاه التجارب، الحادثة عليه فى السكون ، فإذا شعر أن عقله يتأذى.. فليرجع إلى المجمع.
+ يقول مار أوغريس: إن لم ينتفع الأخ من الوحدة فليرجع إلى سكون الأسابيع فى المجمع.

الجمعة، 6 نوفمبر 2009

دير المحرق ملجأ آمن للمطرودين من أجل البر

دلت الدراسات الأولية للغارات الضارية التي قام بها البربر على الجماعات الرهبانية في برية شيهيت والتي يذكر التاريخ أنها حدثت في الأعوام 407م، 434م، 444م، 570م، 620م، 817م ( وكذلك غارة النوماتيين سنة 866م وغارة اللواتيين سنة 1069م ).

على أن عدداً كبيراً من الرهبان والآباء القديسين التجأوا إلى الأماكن البعيدة والآمنة ومنها صعيد مصر، إلى أن تهدأ تلك الغارات، ويتضح أن دير قسقام كان له النصيب في استقبال هؤلاء الأبرار وقبل استكمال الحديث يبرز.

هل من الصواب الهروب؟

قيل عن الأب دانيال الذي من الأسقيط إنه لما طرق البربر الأسقيط هرب الإخوة فقال الشيخ إن لم يهتم الله بي فمالي والحياة وعبر بين البربر وما أبصروه فقال ها الله قد اهتم بي وما مت فدعني أعمل أنا عملاً بشرياً وأهرب مثل آبائي ، وهربوكذلك قيل عن الأب نستاريون أثناء طوافه في البرية مع الأخوة وشاهد تنيناً وهرب أن قال له الأخ وأنت أيضاً أيها الأب تفزع؟ فأجابه قائلاً : ما أخشى يا ولدي إلا أن الهرب أوفق لي ولولاه ما كنت خلصت من روح المجد الفارغ.

جاء في سفر الثنية " لا تجرب الرب إلهك " وتفسير ذلك أن الإنسان يجرب الله متى عمل عملاً بلا روية وألقى نفسه في التجارب وقال في ذلك قديس آخر : إنه يجب الانهزام في زمان الاضطهاد واستيلاء الظلم ولا يسلم الإنسان نفسه في غير وقته للمعاقبين بل متى استدعاك الوقت فاصبر بشهامة وشجاعة ولو أنت كاره ـ لأن الذي يحب العطب به يهلك وإن كان بعض القديسين قد أسلموا ذواتهم للامتحانات باختيارهم لكنهم م
ا تجاسروا على ذلك إن لم يعلن لهم من الله من قبل.
عناق بين شهيت و قسقام

ولا جدال في أن استقبال دير قسقام لأولئك الأسقيطيين الأبرار، كان له أثر طيب، له تأمل عذب هو :إن تلاقي فكر النسك الأسقيطي بما فيه من السمو الروحاني مع تعاليم الشركة الباخومية التي كانت نبراساً لرهبان قسقام في ذلك الحين، أضاف فيضاً رائعاً على الحياة الرهبانية في قسقام وأعطى عمقاً مضافاً إلى الأصالة الموجودة منذ وصول الرب لهذا المكان وباركه وقدسه بيمينه الإلهية فغدت رهبنة قسقام نموذجاً لمزيج عطر فاح عبر العصور، به اشتمته الأنفس الطاهرة وانجذبت بعبقه الفواح لتعيش في رحاب والدة الإله القديسة مريم غريبة عن العالم لتنال الحياة الأبدية في ملكوت السموات ويتضح أنه في تلك الفترة أنشئ الحصن بأيدي وإمكانيات محلية وبتصميم هندسي يشبه إلى حد كبير حصون برية شهيت ولكن بأبعاد أقل ويقدر تاريخ بناء حصن دير قسقام ـ على الأرجح ـ أنه بين القرنين السادس والسابع الميلاديين.

و لا جدال في أن صعيد مصر كان ملجأ آمنا للمضطهدين عبر العصور الأولى للمسيحية في مصر فعندما اضطهد البابا اثناسيوس 20 ( 328 ـ 373 م ) في إحدى المرات نزل إلى الصعيد كملجأ أمان وليفتقد أبناءه ورعيته ورهبان الأديرة كذلك البابا تيموثاوس 26 ( 455م ـ 477م ) قام برحلته للصعيد أثناء الاضطهاد الشنيع الذي شنه الملكيون .

كذلك البابا ثيؤدسيوس 33 ( 536 م ـ 567 م ) عندما أمره الملك جوستنيان بالاعتراف بطومس لاون ( القوانين الخاصة بمجمع خلقدونية) رفض البابا الإذعان للملك وذهب إلى صعيد مصر يفتقد الديارات ويثبَّت رعيته على الأمانة الأرثوذكسية ويصبرّهم على الجهاد حتى الموتوأيضا الأنبابنيامين 38 ( 623م ـ 662م ) الذي اختفى ثلاث عشرة سنة حيث اعتلى المقوقس منصب البطريرك الملكي بأمر من هرقل ملك الروم ورسم أساقفة ملكيين لسائر إيبارشيات مصر أذاقوا فيها أهل البلاد الذل والبلاء
.

ويبدو أن دير قسقام كان له نصيب ـ بعض الشئ ـ في استقبال الآباء القديسين وإن كان لم يُعثَر على دليل حتى الآن يؤكد زيارة الآباء البطاركة [ الأنبا أثناسيوس ( 20 ) والأنبا تيموثَاوس ( 26 ) والأنبا ثيؤدوسيوس ( 33 ) ] لدير قسقام إلا أنه بالنسبة للأنبا بنيامين ( 38 ).

فقد نشر الدكتور ميللر MULLER أستاذ الدراسات المسيحية الشرقية بجامعة بون بألمانيا الغربية بحثاً في عام 1987م قام بدراسته وإعداده الأستاذ جرجس داود مدير المتحف القبطي بالقاهرة أثبت فيه بالدليل القاطع أن دير قسقام أحد الأماكن التي لجأ إليها الأنبا بنيامين واستقر فيها مدة من الزمان خلال فترة اختفائه في عهد المقوقس في الفترة بين 631م إلى 643/ 644م والتي لم يُكتب عنها شئ في كتب التاريخ التي نشرت حتى اليوم.

الأربعاء، 23 سبتمبر 2009

دير المحرق أورشليم الثانية عند الأحباش


الحبشة أمه عريقة، وكانت تسمى كوش وكان لها كيان لا يستهان به في العالم القديم، ويروي التقليد الحبشي العريق أن ملكة سبأ ( التي كانت تحكم اليمن والحبشة ) عندما سمعت عن حكمة سليمان ذهبت لنراه واندهشت لحكمته الفائقة فاعتنقت الديانة اليهودية ونشرتها في بلادها بعدما تزوجت الملك سليمان، وأنجبت منه منليك الذي لقب بابن الحكيم وأقدم خبر وصل حتى الآن عن اعتناق الأحباش المسيحية.

ورد في سفر أعمال الرسل الأصحاح الثامن عندما كلم ملاك الرب فيلبس ليذهب إلى الطريق المنحدرة من أورشليم إلى غزة لكي يقابل رجل حبشي خصي وزير كنداكة ملكة الحبشة ليكلمه عن رسالة الملكوت ويعمدهويذكر تقليد الكنيسة في الحبشة أن أول من بشرها بالمسيحية هو القديس متى الرسول ولكن المسيحية لم تنتشر انتشاراً واسعاً إلا بعد مارسم القديس أثناسيوس البابا الاسكندري العشرون( 326 ـ 373 م ) فرمنتوس أول أسقف على الحبشة وأطلق عليه الأحباش اسم الأنبا سلامة، حيث أصبحت الحبشة بذلك إحدى إيبارشيات الكرسي الاسكندري وأخذت المسيحية تنتشر بإقبال الأحباش إليها في محبة وإيمان وعمق روحاني عجيب.

وأحب الأحباش وعشقوا الأماكن التي عاش فيها السيد المسيح له المجد في فلسطين، كذلك في قسقام في مصر التي اعتبروها أورشليم الثانية.فانجذب الكثير منهم إلى ترك بلادهم والتوجه إلى هذه الأماكن ليحيوا فيها حياة النسك والزهد الرهبانيةوتوجد إشارة تاريخية تبين أنهم كانوا في أواخر القرن الرابع في دير قسقام. والدير عموماً وكنيسته الأثرية خصوصاً لهما شأن عظيم بالنسبة لهم، وهم يجلُّون الدير ويحترمونه ويقدسونه ويهابونه حتى أن ترابه يعتبرونه بركة لأن السيد المسيح له المجد داسه باقدامه المقدسة وهو طفل وتعجز هنا الكلمات عن وصف مقدار تبجيلهم للدير وتمتلئ مخطوطاتهم المحفوظة في أديرتهم بالمعجزات العديدة التي صنعتها السيدة العذراء في دير قسقام.

ويقول العالم كونتى روسيّنى COUNTI ROSSINI أحد العلماء المتخصصين في دراسة المخطوطات الأثيوبية ( في أوائل القرن العشرين الميلادي ) إن مجتمع الأحباش الرهباني في دير قسقام في القرنين الرابع عشر والخامس عشر الميلاديين كان نشيطاً وكان يتكون من حوالي ثلاثين بين راهب وقس وشماس، وكان هذا المجتمع الحبشي مشهوراً لدرجة أن الملك الحبشي صايفا أراد SAYFA ARAD كرّمه بإرسال نسخة من الأناجيل على سبيل الهدية. ويذكر التاريخ أن اسم الراهب الذي كان في دير قسقام واستشهد أيام البابا متاؤس الكبير ( 1378 ـ 1408 ) هو أرسانيوس الحبشي وفى مخطوطات أخرى أرشليدس.

ويقول الأحباش إن الملكة منتواب ـ معناها جميلة أو عجيبة ـ إمبراطورة اثيوبيا التي تنازلت بالحكم لابنها إياسو الثاني IYASU II معناها يسوع ( 1730 ـ 1755 م ) زارت دير قسقام في القرن 18 الميلادي ونقلت تراباً منه مزجته في مواد بناء كنيسة عظيمة في مدينة قسقام التى تعتبر من المدن الأثيوبية الرئيسية ( والتي لها مركز كنسي هام ) بإقليم جوندار GONDAR في الحبشة ـ باسم كنيسة جبل قسقام. حيث بناها إياسو الثاني في سنة 1738 م ومن ذلك الوقت رتبت الكنيسة الحبشية الصوم المعروف بصوم قسقام مدته أربعون يوماً ( يبدأ من 26 توت وينتهي في 5 هاتور ليلة عيد تكريس كنيسة السيدة العذراء بدير المحرق).

وكان الأحباش لكثرتهم لهم كنيستهم التي يقيمون فيها صلواتهم. وأقدم كنيسة عرفت هى كنيسة يوحنا المعمدان التي كانت مجاورة لكنيسة السيدة العذراء الأثرية ولما أزيلت كنيسة القديس يوحنا المعمدان، وتوسعت الكنيسة الأثرية وبنيت الصالة الخارجية تم بناء كنيسة للأحباش فوقها في القرن 19 الميلادي حيث قد بلغ عددهم حوالي 40 راهباً إلا أنه في الثلاثينات من القرن العشرين أزيلت الكنيسة الحبشية خوفاً على مباني الكنيسة الأثريةولقد قل الأحباش كثيرا بعد الحرب الإيطالية الحبشية ( 1936 ـ 1948 م ) والاضطرابات المستمرة في جنوب السودان لأنهم كانوا يأتون من الحبشة إلى دير قسقام سيراً على الأقدامويذكر رجال الكنيسة الحبشية أن أغلب مطارنتهم الذين كانت توفدهم إليهم أمهم الكنيسة القبطية كانوا يختارون من دير قسقام وهكذا فإن دير قسقام لن يمحى من قلوبهم لأنهم أحبوه، ومازالوا حتى اليوم وإلى نهاية الأزمان.

الثلاثاء، 7 يوليو 2009

الأنبا مكسيموس مطران القليوبية

الميلاد

ولد الطفل قوسة في 2 ابريل عام 1911 بمدينة أخميم بمحافظة سوهاج، كان والده " الخواجة جيد جريس " يعمل بالتجارة ووالدته سيدة فاضلة ترعى شئون منزلها وأبنائها العشرة، وكان قوسة منذ حداثته يذهب إلى كتّّاب الكنيسة.

وظل هكذا في حياة التعليم الروحي في أحضان الكنيسة بأخميم فتعلم القراء والكتابة والألحان تحت رعاية المتنيح القمص بطرس الأخميمى حتى بلغ من العمر ثماني سنوات ثم انتقل مع عائلته إلى الإسكندرية حيث اتساع تجارة والده، وهناك التحق بمدرسة الأمريكان ليحصل على الابتدائية عام 1927 ثم على البكالوريا عام 1930م.

شبابه

كان تكريس القلب لله له علاماته في حياة وتصرفات الشاب قوسة حيث كان دائما يقتنص الفرص ليدخل إلى حجرته في خلوة مع الرب يسوع،وتضائلت أمامه كشاب كل مباهج الحياة، حيث حفظ أجزاء كثيرة من الكتاب المقدس عن ظهر قلب، وأجاد اللغة القبطية حتى صار من علمائها، وكان يحيا حياة الفقر الاختياري والتجرد، وتعب من أجل راحة الآخرين وخدمة الفقراء والمرضى حتى أسس جمعية " الجنود العاملين لمجد المسيح " لزيارة المرضى بالمستشفيات والمسجونين و سد إحتياجاتهم.

الرهبنة

وعند بلوغه الحادية والعشرين من عمره بدأ فكر الرهبنة يسيطر على مشاعره، فتوجه إلى دير العذراء المحرق وعرفت الأسرة أمر ابنها البكر فحاول الأب أن يعيده ولكنه رفض، ولكن الأم فرحت حيث رأت لرؤى عنه منها انها شاهدت يوما ملاكا يقف خلفه دائماالحياة في الدير وصل الشاب قوسة لدير المحرق يوم 22 ابريل 1932 وأُعطى اسم الاخ شاروبيم حيث كان ذو طبع ملائكي ولم يمض وقت طويل عليه تلميذا حتى رسم راهبا باسم الراهب أنجيلوس.


عاش الراهب أنجيلوس حياته الديرية مطيعاً لرئيسه محباً للإخوة ومحبوباً منهم, يميل للصمت أكثر من الكلام، وكان مثالاً رائعاً للراهب الذي يجمع بين العبادة في أوقاتها وبين العمل داخل الدير.التحق الراهب أنجيلوس بالمدرسة اللاهوتية بحلوان مع مجموعة من الرهبان عام 1933.

الكهنوت والخدمة


رُسم الراهب أنجيلوس قساً فى عام، 1936بعد مضى أقل من أربعة سنوات على رهبنته، ثم رقى إلى درجة القمصية عام 1947 خدماته فى عام 1948وقع الاختيار على القمص أنجيلوس المحرقى ليكون وكيلا للدير المحرق، فكان نعم الوكيل الامين الحكيم الذى اقامه سيده.

وبعد انتهاء فترة وكالته للدير عام 1952 تم اختيار القمص أنجيلوس ليكون أمينا لمكتبة البطريركية بالقاهرة، فاهتم بالمكتبة من حيث تنظيمها وتدعيمها وكتب العديد منها ولم يكتب اسمه عليها كمؤلفها بل من إتضاعه وبعده التام عن المجد الباطل كان يضع اسماء آخرين عليها.

وفى عام1954 أصدر البابا البطريرك الأنبا يوساب الثاني قراره باختيار القمص أنجيلوس المحرقي ليكون سكرتيراً روحيا لقداسته.وبعد هجرة الاقباط خارج الوطن وقع اختيار البابا كيرلس السادس على القمص انجيلوس المحرقى ليكون راعيا للكنيسة في الكويت وذلك عام 1961 , وبدات الخدمة تسرى في الكويت حيث اهتم بكل المسيحين

ورغم نجاحه فى الخدمة إلا أنه كان دائما مشتاقا للعودة للدير فوافق البابا كيرلس السادس على عودته من الكويت وأرسله مع أبونا متياس السرياني " نيافة الانبا دوماديوس مطران الجيزة " لتعمير دير مارمينا .

رسامته أسقفاً

في 31مارس 1963رسم البابا كيرلس السادس القمص أنجيلوس المحرقى أسقفا، على أبروشية القليوبية ومركز قويسنا باسم الانبا مكسيموس، وعندما فاتح مجلس كنيسة بنها في هذه الخصوص قالوا له إن ألأبروشية لا تتحمل أسقفا فرد البابا عليهم قائلا: أنا إخترت لكم راهب سندوتش فول بتلاتة قروش يكفيه، ولم يكن في بنها دار للمطرانية فأقام الأنبا مكسيموس في حجرة بسيطة في كنيسة العذراء، ولم يكن له سيارة خاصة فكان يقوم باستئجار حنطور ليقوم بزيارة الأسر المسيحية.

وكان ينطبق عليه قول الكتاب " رابح النفوس حكيم " فكم من النفوس ربحها لمخلصه حيث كان لديه من الحكمة السماوية بحيث يجد لكل إنسان مدخلا مناسبا لشخصيته دون أن يتكلم بلغة المرشد أو الواعظ أو حتى صاحب سلطان كأسقف بدأت يد الله تعمل بصلوات الأنبا مكسيموس، ببناء دار للمطرانية وبناء كنيسة ماريوحنا الحبيب بمنطقة كفر السرايا و المجاورة لأتريب حيث الكنيسة الأثرية الموجودة تحت الارض، وأيضا شراء كنيسة القديس نيقولاوس ببنها.

كان الأنبا مكسيموس يهتم بالخدمة ويعمل على انمائها بواسطته أو بواسطة آخرين، ولذلك طلب من البابا شنوده الثالث لرسامة خورى أبيسكوبس لمساعدته، وفى يوم 18 يونيو عام 1978تم ترقية نيافته مطراناً.

نياحته

قرب نياحته كان يردد دائما " انا طالع القلاية اللي فوق " قاصدا السماء وفي يوم الاربعاء 6 مايو عام 1992 فارقت روحه الطاهرة الحياة وتمت الصلاة على جسده الطاهر ودفنه في كنيسة العذراء ببنها حيث مزاره الآن.

ومن كلمة الباب شنوده عنه في يوم نياحته:

إنسان عاش حياته كلها كنسيماً هادئا يعبر علينا.. كان بيننا مثل الملائكة على الأرض.. كان هادئاً جداً و طيباً جداً ومملوء من الإيمان.. كنا نعجب من ابتسامته اللطيفة ومن شيخوخته الوقورة.. وكان يحب المساكين والمحتاجين.. عاش سفيراً للمسيح، قديساً يصنع المعجزات في حياته وبعد مماته ".

الخميس، 25 يونيو 2009

من معجزات العذراء مريم في دير المحرق


+ في سنة 1396م قام البابا متاؤس البطريرك الـ 87 ( 1378ـ 1408م) برسامة أسقف لمدينة القوصية يدعى الأنبا غبريال وكان هذا الأب الأسقف قديساً ومشهود له بذلك.

وبعد السيامة جاء الأنبا غبريال ( الأسقف ) إلى القوصية فزاره رئيس دير المحرق في ذلك الوقت وكان يدعى أبونا ميخائيل وهنأه بالسيامة ودعاه لزيارة الدير في فترة أسبوع الآلام كي يسعد الآباء الرهبان بوجوده معهم .

وجاء الأب الأسقف الأنبا غبريال إلى الدير في يوم اثنين البصخة ومكث في المقصورة
صائما معتكفاً على صلواته بالمقصورة الخاصة بالسيدة العذراء [ كانت المقصورة عبارة عن حجرة موضوع فيها أيقونة للسيدة العذراء وبها مكان لإيقاد الشموع تشفعاً بالعذراء أم النور) وكانت قد أهديت إلى الدير تذكار لوصول العائلة المقدسة إلى قسقام ]

وفي يوم خميس العهد دعاه الأب ميخائيل رئيس الدير ليرأس صلوات وطقوس خميس العهد بالكنيسة مع الآباء الرهبان فأمتنع الأب الأسقف معتذراً ولكن ظهرت له العذراء أم النور في المقصورة وأعطته إشارة ليوافق على الصلاة فقام مع رئيس الدير وتوجه إلى الكنيسة وأثناء الصلاة ظهرت العذراء أم النور مرة أخرى ورأها كل الموجودين من الشعب الحاضرين الصلاة.

وبعد الصلاة ذهب الأب الأسقف إلى المقصورة مرة أخرى ومكث بها وهو مازال صائماً حتى جاء وقت إقامة قداس عيد القيامة ، فذهب إليه رئيس الدير ومعه الآباء الرهبان كي يرأس صلاة العيد ولكنه رفض وألح عليه الأب رئيس الدير كثيراً هو والآباء الرهبان ونظير إلحاحهم نزل الأب الأسقف غبريال وأقام القداس الإلهي وأثناء الصلاة ظهرت أم النور مرة أخرى مشيرة إياه بأنها سوف تأخذه معها بعد القداس.

وبعد انتهاء القداس الإلهي ذهب الأنبا غبريال إلى المقصورة وأغلق الباب وفي الصباح جاء الأب رئيس الدير ليدعوه لتناول الطعام فوجده قد انتقل من الحياة الفانية كوعد السيدة العذراء أم النور له فصلى عليه الآباء ورئيس الدير ودفنوه بإكرام وتبجيل في مقبرة خاصة في مدخل الدير. بركة صلواته فلتكن معنا آمين.

+ تذكر المخطوطات الحبشية القديمة أنه في عام 1322م وفي حبرية البابا يوحنا التاسع البابا 81 بطريرك الاسكندرية ( 1320 ـ 1327م ) جاء إلى دير المحرق الأب قُزما رئيس دير الأنبا انطونيوس ببرية العربة في ذلك الوقت وذلك أثناء رحلته إلى الصعيد. فاستقبله رئيس دير المحرق الأب غبريال بكل إكرام وتبجيل.

وأثناء ذلك جاء أحد الأعراب الساكنين في المنطقة المحيطة بالدير وكان رجلاً شريراً. وطلب من الأب غبريال رئيس دير المحرق خمسون ديناراً، لكن الأب رئيس دير المحرق رفض أن يعطيه ـ حيث أن ما طلبه لم يكن على سبيل المساعدة أو الاقتراض لكن أتاوة وجبروت .

فخرج الأعرابي يتهدد ويتوعد وانتهز فرصة الاحتفاء بالضيف وانشغال الآباء به وسرق بعض الجمال المحملة بالقمح الخاصة بالدير وبعض من رؤوس المواشي وهرب. وعندما اكتشف الآباء هذه السرقة صلوا متشفعين بالعذراء أم النور أن ترد للدير ما قد سرق منه ( لأن الخسارة كانت جسيمة ).

وفي فجر اليوم التالي شب حريق في منزل الإعرابي ويموت في الحريق. وفي الصباح رجعت الجمال والمواشي المسروقة إلى الدير بعناية الرب وشفاعة العذراء أم النور شفيعة الدير.

السبت، 30 مايو 2009

العلامة القمص يوحنا سلامة المحرقي


ولد هذا الأب البار فى عام 1878 بمدينة جرجا وكان والده كاهنا مباركا وأمه بارة تقية وسمياه باسم ( سيف ) تيمنا بالشهيد أبو سيفين حيث وافق يوم ميلاده عيد استشهاد هذا القديس العظيم .

وكانت هذه العائلة عائلة مثال للتقوى والروح المسيحية والخدمة.. فكان له أربعة أعمام كهنة مباركين مماكان له أكبر الاثر فى نفسه، فنشأ فى كنف الأسرة وفى حب الكنيسة وتغذىبالتعاليم المقدسة منذ حداثته .

وتدرج سيف فى التعليم حتى التحق بالمدرسةالاكليركية عام 1892م.وكان زميلا للأرشيدياكون حبيب جرجس الذى تولى ادارة المدرسة فيما بعد ومكث سيف فى المدرسة خمس سنوات ونال البكالوريوس عام 1898 ووقع عليهالاختيار ليكون مدرسا فى المدرسة اللاهوتية للرهبان بدير المحرق .

وبعد تخرجه من الكلية الاكليركية تزوج من عروس طيبة ولكن بعد فترة قصيرة ماتت العروس وانتقلت إلى السماء فرفض أن يتزوج بأخرى، واهتم بخدمته الدينية فأهتم بالوعظ الدينى فجال فى المدن المحيطة به يعظ ويعلم ولقد قيل عنه أنه كانت له مقدرة خطابية مدعمة بروح الكتاب المقدس يأثر سامعيه بليغا فى حجته وكانت الكلمات تخرج من فمه كاللآلئ اثمينة وأسلوب بسيط يفهمه العامة والبسطاء.

ثم تاقت نفسه لحياة الرهبنة فقصد دير السيدة االعذراء البرموس فى أول الأمر، إلا أن والده منعه من تنفيذ قصده.

انتدبه رئيس الدير المحرق ليكون ناظرا ومدرسا لمدرسة الرهبان فى الدير فتقدم إليه سيف طالبا الرهبنة ففرح الأب الأسقف بذلك جدا، وألبسه ثياب الرهبنة فى عام 1905، وجاء توقيت الرهبنة فى عيد الغطاس فدعى باسما لراهب يوحنا سلامة المحرقى.

وسلك فى الدير بغيرة عظيمة مقدسة عاكفا على الدراسة والبحث والاضطلاع فى مكتبة الدير وتميز بعلمه الغزير واتضاعه الجم وتحليه بالفضائل الرهبانية الأصيلة ، فكان دائم الصمت يجلس فى عزلة وهدوء فاكتسب بذلك ثناء ومحبة رئيس الدير والرهبان فأتخذوه أبا لهم وتتلمذوا على يديه فرسمه رئيس الدير قسا وعينه رئيسا لمدرسة الرهبان فى الدير وعلى يديه تخرج العديد من الرهبان الأتقياء ونهلوا من علمه وفضائله وحكمته.

واستمر عاماً معلما وناظرا للمدرسة وترقى قمصاًوكانت الارساليات الاجنبية فى ذلك الوقت قد بدأت تدخل وتتغلغل بين الشعب القبطى وكانت تذيع مبادئها وتعاليمها الغريبة عن إيمان وروح كنيستنا القبطية، وكانت تستخدم في ذلك كتب تباع بأسعار زهيدة لا تذكر لتيسير أهدافها ومبادئها..

فغار القمص يوحنا سلامة غيرة مقدسة على كنيسته وأحس بالخطر فغاص فى بطون الكتب وأخذ ينقب ويحفر ليبنى أساسا منيعا لا تجرفه سيول الهرطقات والأفكار الغريبة، وبعد مجهود ضخم لسنوات عديدة وضع كتابه الخالد عبر الزمان والنابض بروحانية الكنيسة وعقائدها وايمانها واسماه: " اللآلئ النفيسة فى شرح طقوس وعقائد الكنيسة ".


وعندما قدم هذه التحفة إلى قداسة البابا كيرلس الخامس سر بها جدا ، وأمر غبطته بطبع الكتاب وتدريسه على طلاب الاكليركية وفى المدارسة القبطية.وقد نفذت طبعته الأولى فور صدوره فتقرر طبعه مرة أخرى ، فبزع نجم القمص يوحنا سلامة فى سماء الكنيسة، ونال فى كل مكان يذهب إليه التكريم والثناء والمديح لحفاظه على أرثوذكسية الكلمة والعقيدة.


وفى عام 1918 اختاره الانبا صرابامون مطران السودان ليكون مساعدا له فى الخدمة بالسودان وجعله وكيلا للمطرانية هناك ،فقام بنشاط عظيم بين الأقباط هناك ولمع بريقه للكل فكان يعلم ويعظ ابناء الكنيسة ويسكب عليهم من علمه وروحانياته ، وفى هذه الفترة من حياته جال فى كل مكان ينشئ المدارس ويينى الكنائس ويعلو البناء .


وبعد نياحة البابا كيرلس الخامس قام فريق من الشعب القبطى بترشيحه للبطريركية، ولكن كان قد بدأ ترشيح المطارنة للكرسي الباباوى فنجح الانبا يوأنس فى الجلوس على كرسي مارمرقس ، وأما القمص يوحنا فلم يتوانى عن استكمال خدمته الجليلة فى السودان بالوعظ والتبشير والحفاظ على عقيدة الأباء والأجداد التى تسلمتها الكنيسة من جيل إلى جيل.

وهكذا أشرق القمص يوحنا سلامة بعلمه وتقواه ونسكه وفضائله فى السودان ، وجاهد فى ربوعها يبنى ويعلى البناء يوما بعد يوم فطلب الضال واسترد المطرود وأجبر المكسور وأعصب الجرح وأشادالجميع بمجهوده وعمله ، حتى اإن هيلاسيلاسى امبراطور أثيوبيا قد زاره ذات مرة وطلب منه أن تؤخذ له صورة معه .. كما زاره أمراء وأميرات اثيوبيا فرحين بما عملته يداه .. وقال عنه زعيم الجالية اليونانية فى السودان : لو كان عندنا رجل مثل أبونا يوحنا لأقمنـا له تمثال .


لقد بنى هذا الجبار صرحاً عظيماً وخدم جيله بكل تفانى وإخلاص.

واخيرا حينما حئت ساعة الرحيل أسلم روحه الطاهرة بين يدى الأب السماوى، الذى اشتم رائحة بخور حياته ونسكه وأعماله ومنحه ان يرتاح فى أحضان آبائه القديسين، وذلك فى يوم 28 ابريل سنة 1960 ودُفن جسده الطاهر فى مطرانية الخرطوم التى رواها بعرقه ودموعه.


بركة صلاته تكون معنا آمين .

الأربعاء، 6 مايو 2009

كنيسة السيدة العذراء الأثرية بدير المحرق


تنفرد هذه الكنيسة ببساطة بنائها فهى لا تدخل تحت المنهج العلمي للفن المعماري في الآثار القبطية، فهر بُنيت من الطوب اللبن والحوائط غير المنتظمة، وعدم وجود أية نقوش زخرفية عتيقة أو رسومات قبطية مرسومة على حوائطها وهذا يدفع الشاهد المتأمل إلى التعجب .

إن هذا الانفراد العجيب في عدم إمكان تطبيق القواعد العلمية بصورة صحيحة على هذه الكنيسة الفقيرة في بنائها لشاهد عظيم على قدمها وأصالتها. يؤكد ويشهد على أنه كان هناك تقليد قوي وروح مؤثرة عبر العصور على الذين عاشوا في هذا المكان، جعلهم يتركون الكنيسة على بساطتها حتى لو رمّموها.

ألم يكن في مقدورهم بناء كاتدرائية عظيمة مكانها لتكون مناسبة ومشرّفة لمكانة المكان الذي جاءت إليه العائلة المقدسة وباركته ؟! إن الباحث في معمار الكنائس القديمة في مصر، يجد أن بعض الكنائس بعدما أعيد ترميمها أصبحت تحفة فنية من الفن القبطي البديع، إلا أنه لم يحدث مثل هذا في كنيسة العذراء الأثرية أثناء ترميماتها المختلفة حتى القرن 19 الميلادي .


إذن لهو تقليد ثابت قديم راسخ في أعماق آباء هذا الدير وهو عدم تغير الكنيسة بناء على أمر إلهي مؤداه أن تبقى الكنيسة على ما هى عليه شاهدة عبر العصور على اتضاع الابن الوحيد الذي أخذ شكل العبد ليخلص شعبه ( على حسب ما أوضحته السيدة العذراء للبابا ثيؤفيلس 23 ).

الهيكل

فالكنيسة كما يشهد التقليد والتاريخ هى البيت المهجور الذي عاشت فيه العائلة المقدسة وبقى على مساحته كما هو حتى القرن 19 . وعندما تحول البيت في العصر المسيحي المبكر إلى كنيسة تم عمل التقاسيم والحواجز المناسبة لطقس الكنيسة، فتم عمل حضن الآب في شرقية الهيكل.

كما أنشئت حجرتان على جانبي الهيكل. يتضح فيهما البساطة البعيدة عن أي علم أو فن معماري إلا أنهما متطبعتان بالطقس الكنسي الأصيل العريق في القدم. فقد استخدمت الحجرة اليسرى لملابس الكهنة، وهي لذلك بدون باب يفتح على صحن الكنيسة.

والحجرة اليمنى فهى لخدمة الشمامسة وبها حفرة في الأرض أسفل الحائط الشرقي مباشرة لتفريغ الشورية بعد انتهاء الصلاة. وحينما أراد عامل البناء القبطي تحويل البيت إلى كنيسة وبناء الأعمدة الأربعة التى تحيط بالمذبح رمزا للإنجيليين الأربعة طبقا للنظام الكنسي ـ فلضيق المساحة، ولأسلوبه الريفي غير المتكلف شكّلها على الحائط الأيمن والأيسر للهيكل وعمل لها تيجاناً على شكل ( بصلة ).


مذبح الكنيسة الأثرية

وأهم ما في الهيكل المذبح ولهذا المذبح قصة عجيبة ذكرها المنتيح نيافة الأنبا غريغوريوس نقلاً عن بعض الشيوخ من رهبان الدير ( في الستينات من القرن العشرين ) ان أحد رؤساء الدير في القرن العشرين رأى أن المذبح صغير ولا يتسع للذبيحة المقدسة وأوانيها، فرغب في إزالة المذبح ليقيم مذبحاً آخر أكبر حجماً، فالراهب الذي تناول الفأس إطاعة لأمر الرئيس شُلت يده عندما ضرب أول ضربة. فصرخ وإمتنع عن مواصلة العمل ولم تعد يده إلى الحركة إلا بعد إسترحام وصلوات ودهنها بالزيت المقدس فكانت هذه المعجزة عبرة وعظة
.

والمذبح على شكل مكعب غير متساوي الأضلاع على سطحه رخامة لها حافة على شكل نصف دائرة ومنقوش عليها كتابة باللغة اليونانية نصها: نيح يارب الطوباوي كلتوس، تاريخها 15 كيهك سنة 463 ش الموافق 11 ديسمبر سنة 746 م ( حسب التقويم السائد في ذلك الزمان ).

وتُعتَبر هذه الرخامة النصف دائرية من الأشكال النادرة التي تنفرد بها المذابح القبطية الأثرية في مصر. وفكرة النصف دائرة هى تقليد قبطي قديم ظهر في الأيقونات التي تمثل العشاء الرباني وفيها المائدة على شكل النصف دائرة.ويلاحظ أيضا أن أبواب الهيكل الداخلية والخارجية وحتى أبواب الكنيسة نفسها كلها منخفضة الإرتفاع مما يجعل المؤمن المار خلالها. يُحنِى هامته خشوعا واحتراماً لبيت الربويعتبر الهيكل بحجرتيه.

والمذبح أقدم ما يوجد حاليا في الكنيسة الأثرية، ومع تعدد الترميمات أصبحت حوائطه سميكة
أما صحن الكنيسة تغيّر في القرن 19 الميلادي عما كان عليه، ولم يتبق من القديم ـ الذي قبل القرن 19 ـ إلا الحائط القبلي الممتد فى الخورسين الأول والثاني فقط. أما بقية الحوائط ـ ( بقية الجزء القبلي في الخورس الثالث والحائط الغربي والحائط البحري) ـ تم إنشاؤها فى القرن 19 الميلادي.

ترميم الكنيسة

ومن الصعب الجزم بأنه كانت هناك قباب قديمة أعلى صحن الكنسية من عدمه.ويشهد التاريخ ـ طبقا للمعلومات التي تم جمعها حتى الان ـ على أن الكنيسة لم تخّرب، ولكن بالطبع يجب أن ترمم من حين لأخر، لأن مبانيها من الطوب الأخضر ( اللبن ). والترميمات التي تم التوصل إليها هى:

+ فى القرن 16 الميلادي تم الترميم مع بناء القباب الثلاث أعلى الهيكل.
+ فى القرن 19 الميلادي تم توسيع صحن الكنيسة قليلاً، وبناء القباب السبع أعلى صحن الكنيسة محمولة على حنيات ركنية وأصبح لصحن الكنيسة ثلاثة خوارس، وهذا هو نفس التقسيم العريق للكنائس في القرون الأولى : وهو خورس السامعين ( أى الموعوظين قبل العماد ) وخورس الباكين ( أو التائبين ) وخورس المؤمنين ( المشتركين فى سر الإفخارستيا ).

كما أنشئت الصالة الخارجية يتوسطها عمودان ومغطاة بسقف خشبي وأنشئت على سطحها الكنيسة الحبشية وفي الثلاثينيات من القرن 20 الميلادي تم وضع طبقة من المصيص فى كل مبنى الكنيسة ( داخلها وخارجها ) ووضع البلاط فى أرضيتها وألغيت كنيسة الأحباش حيث تأثر المبنى من الأحمال الزائدة عليه.


حامل الأيقونات ( الأيقونستاسز )

يوجد حالياً في الكنيسة حاملان: الأول وهو أمام الهيكل مباشرة، يحجز بينه وبين صحن الكنيسة، ويرجع إلى القرن 16 / 17 الميلادي وعموماً وعلى حسب قول المؤرخ الكنسي الأنبا يوساب أسقف فوه في تاريخ البطاركة ـ أن البابا غبريال بن تريك 70 ( 1131 ـ 1145 م ) هو أول من أوجد فكرة المقاطع الخشبية على الهياكل لأنه لم يكن ثمة مقطع إلا على كنيسة أبى سرجة لا غير أما الثاني فبجوار الأول وهو حامل الأيقونات المنقول من كنيسة الأحباش ويرجع إلى القرن 19 الميلادي .


والايقونستاسز الأول مكون من قطع صغيرة من الخشب هندسية الشكل ومجمعة بدقة ـ بطريقة التعشيق ـ فى شكل وحدات متكررة على هيئة صليب محفور ومطعم بالعاج وفي زوايا الصليب الأربع يوجد شكل مطعم بالعاج يشبه السمكة وهى فى أول أطوار نموها ـ الخارج للحياة الجديدة ـ ترمز للبشائر الأربع التي للحياة الجديدة المرتكزة على صليب السيد المسيح مركز الحياة ونبعها الأصيل فى حياة المؤمن .


القناديل وبيض النعام


إذا كانت الكنيسة رمزا للسماء ، فالقناديل والشموع رمز للنجوم، لأنه إن كانت السماء المادية محلاّة بالأنوار ـ النجوم ـ فكم بالأولى يجب أن تحلّى السماء الروحية بهاوالأنوار في الكنيسة هى تسليم رسولي ـ حيث كانت العلية تضاء بمصابيح كثيرة ( راجع أع 20 : 8 ) ـ وليست رمزا مثل الذبائح التي أبطلت بذبيحة السيد المسيح الكفاريةفالقناديل الموقدة من زيت الزيتون النقي تعبر عن نور السيد المسيح الذي يشرق خلال قديسيه. وتوقد القناديل أمام الأيقونات فى الكنيسة أثناء الصلاة والقداس الإلهي .

أما قنديل الشرق فهو يضاء دائما حتى لا تدخل نار غريبة للكنيسة ورمزا لما قاله الرب لموسى عن أن السرج تكون موقدة على الدوام فى قبة الشهادة ( راجع خر 27 : 20 ـ 21 ) وهو يشير أيضا للنجم الذي ظهر للمجوس فى المشرق وكذلك القنديل الذي أمام باب الهيكل ( ولكنه ألغى حالياً بسبب عبث البعض به ) يجب أن يضاء أيضا باستمرار وكانت الكنيسة تزين بالقناديل المعلق بينها بيض النعام الذي يرمز إلى القيامة ( راجع ايوب 39 : 14، 15 ).

الاثنين، 4 مايو 2009

نشأة الرهبنة في دير المحرق


كان لموقع كنيسة السيدة العذراء الكائنة في البرية نصيب في جذب البعض إلى السكنى والتعبد بجوارها لما لها من البساطة وتواضع الحال وامتياز فريد حيث إنها كانت مأوى آمناً وملجأ مريحا للعائلة المقدسة التي عاشت فيها مغتربة عن الأهل، في صورة فقيرة متواضعة، فأصبح المكان مبروكاً بهم فكان لسان حال الذين أتوا للتعبد والانفراد حول الكنيسة أن كل من يأتي حباً في حياة البتولية متغرباً عن العالم ويعيش في فقر واتضاع كما عاشت العائلة المقدسة، سيمنح البركة التي باركها رب المجد لهذا المكان وينال إكليل الحياة الأبدية في ملكوت السموات.

وقيل إن بعضا من أولئك النساك الأول كان لهم علاقة طيبة بالقديس العظيم الأنبا أنطونيوس وبعد نياحة الأنبا باخوميوس أب الشركة انتشرت الأديرة الباخومية على يد تلاميذه ( مثل تادرس وأورزسيوس ) في كل أنحاء مصر كما أتبعت كثير من الجماعات الرهبانية الأخرى قوانين الأنبا باخوميوس دون الانضمام إلى أديرة الشركة الباخومية، وبنى البعض الأخر الأديرة واستقى من النظام الباخومي نظاماً خاصاً له وقد دلت الدراسة على أن بعضاَ من تلاميذ الأنبا باخوميوس أو على الأقل جماعة من رهبان الشركة الباخومية جاءوا إلى قسقام في النصف الأخير من القرن الرابع واشتركوا مع القاطنين حول الكنيسة في تأسيس الدير وإن كان غير معروف وقت مجيئهم بالتحديد.

إلا أنه حدث بعد نياحة الأنبا باخوميوس أب الشركة ( 346 م )[ لأنه قد أجمع الدارسون في حياة الشركة الباخومية أن الأنبا باخوميوس أب الشركة لم ينشئ إلا تسعة أديرة للرهبان وديرين للراهبات محصورة بين أخميم شمالاً وإسنا جنوباً ]
وقد كانت حياة الشركة تشبه جماعة الكنيسة الأولى حيث كان كل شئ مشتركاً بينهم ( أع 2 : 44 ) وأساس حياتهم الجسدية كان مركزّاً على الفقر والمسكنة وعدم امتلاك ممتلكات والهروب من محبة القِنْيَة.

أما مركز حياة الراهب الروحية فكان هو الكتاب المقدس وسر الإفخارستيا والصلاة الدائمة ويبدو أن الأسلوب التطبيقي للقوانين الباخومية في دير قسقام كان له الطابع الخاص لما اشتهر به الدير بانفتاحه على الزوار والملتجئين طلباً في الشفاء من مياه البئر التي باركها السيد المسيح، ولطلب دعاء وشفاعة والدة الإله العذراء القديسة مريم.


في الحقيقة إن المتأمل في تاريخ الدير عبر العصور لا يسعه إلا أن ينطق بكلمات الفخر والإعزاز والتبجيل لما قدمه الرب الإله لهذا المكان وبالأكثر للكنيسة الأثرية بيته المقدس ليكون سبب بركة وشفاء لكثيرين ومأوى آمنا للمكروبين. كما لا يفوت أيضا على المتأمل في تاريخ الدير ذلك العمق الروحي الذي نتج من المزيجَ العجيب لحياة الشركة والرهبنة الأسقيطية ومن ثم يمكن التوصل إلى خلاصة مؤداها أن الدير انفرد بسمة خاصة عن غيره من الأديرة الأخرى في ذلك الزمان وهى سمة الخدمة الروحية للمترددين والزوار وأن الذين أحبوا السيد المسيح من كل قلوبهم من الآباء الرهبان وغيرهم من القاطنين بالدير دأبوا على التفاني وبذل الذات لأجل تخفيف الألم عن المكروبين والمنكوبين ومعونة المرضى الملتجئين في طلب الشفاء من ماء البئر المقدسة مع الوعظ والإرشاد للحث على حياة التوبة وخلاص النفوس، دون أن يؤثر ذلك على حياة الراهب الداخلية وروحانيته، منطلقاً في حرية أولاد الله التي يضبطها العمق الروحي الذي نتج من ذلك المزيج العطر!!

لذلك فضَّل بعض رهبان الدير التوجه للكرازة ببشارة الملكوت إلى البلاد التي كانت تعتبر بعيدة في ذلك الحين مثل أيرلندا وعاشوا هناك وبشروا بكلمة الإنجيل ويذكر مهندس الأثار لبيب ى صليب في بحثه الذي نشره في عام 1964م تحت عنوان الفن القبطي المصري في العصر اليوناني الروماني ص 65 ما نصه الآتيورد في ليتورجية قديمة بأيرلندا:أ

ذكر يارب عبيدك رهبان دير المحرق الذين ردونا إلى الإيمان( وتجرى حالياً في الدير دراسة خاصة في هذا الشأن )ولكن هذا لا يمنع أن البعض اشتهى الوحدة والانفراد مفضلاً عدم البقاء والتوجه إلى البراري الداخلية أو شهيت ومن ثم يمكن رؤية الطابع الروحي لرهبان الدير، في أنهم عاشوا في البتولية والفقر الاختياري والاتضاع والمسكنة واحتقار أباطيل العالم، والزهد، والنسك بحكمة
.