ونحن مازلنا في احتفالات القيامة والخماسين المقدسة ومع ما يمر بنا من أحداث أتوجه إليكم ببعض الكلمات راجيا أن تقبلوا ضعفي وضآلة معرفتي :- يا أحبائي إن الكنيسة حينما تحتفل بعيد القيامة إنما تحتفل بقيامة عريسها فالكنيسة كانت ومازالت وستظل إلي الأبد عروس المسيح التي اقتناها بدمه مات وقام لأجلها وسيظل المسيح عريسها وحاميها إلي الأبد إيمانا منا بوعده الثابت "أنت بطرس وعلي هذه الصخرة أبني كنيستي وأبواب الجحيم لن تقوي عليها "(مت 18:16)
إلا أنه في الظروف الصعبة التي تمر بنا مثلما يحدث في تلك الأيام بدءا من نجع حمادي وحتى إمبابة وغيرها كثيرا ما يختلط الأمر علينا وكثيرا ما ننسي ما هي الكنيسة ومن نحن . هنا يلزم علينا أن نقف علي عدة نقاط ثم نستكمل الحديث :-
-الكنيسة في نظر المسيح هي عروسه وهي البنية التي تركها في العالم .بينما في نظر العالم و الدولة هي المؤسسة الدينية التي تخص فئة الأقباط .
- نحن في نظر المسيح أولاده موضوع وهدف تجسده وموته وقيامته و..... بينما في نظر العالم والدولة نحن مواطنون أقباط .
- إن الحرب التي توجه إلي الكنيسة بصور مختلفة أو تلك التي توجه إلينا علي أساس مسيحيتنا وحسب هي حرب روحية وفي الأساس هي ضد المسيح فحينما اضطهد شاول الكنيسة وشعبها كان حديث المسيح إليه "شاول شاول لماذا تضطهدني"(أع4:9). فهي بالتالي ليست حرب سياسية ولا حرب قبلية هي حرب روحية يشنها الشيطان من البدء وسيظل إلي ساعة الدينونة علي كنيسة المسيح مستخدما ما يملك من وسائل .
: بعد قرأه دقيقة للثلاثة نقاط السابقة نستطيع أن نقول الآتي-
1- أنه أذا أخطأنا في تكييف الحرب الروحية علي أساس أنها حرب سياسية فهذا هو الخطر بعينه ولماذا؟
لأنه حينما نكيف الحرب الروحية علي أنها سياسية فهذا يجعلنا نتواجه معها بوسائل الدفاع السياسية والتي تبدأ بالمفاوضات ثم الاعتصمات ثم المظاهرات وتنتهي بالحرب المضادة ورغم أنها حرب روحية إلا إنها حينئذ تواجه بما لا يقتلها أو يوقفها أبدا بل أن مواجهة العدو الروحي الذي هو الشيطان والذي ناصب كنيسة المسيح العداء بوسائل سياسية كما سبق شرحها فهذا سيجعله حتما في زهوة انتصار مستمرة حيث أن تلك الوسائل يا أحبائي لن تصيبه أبدا لا في مقتل ولا حتى في جرح بل سيظل أمنا حيث لا ضرر عليه البتة وسيواصل شن الهجمات من اليمين واليسار والأمام والخلف طالما أنه نجح في إقصاء أولاد المسيح عن استخدام الأسلحة الروحية التي يعلم تمام العلم أنها سوف تفتك به إذا استخدمها أولاد المسيح والحرب الروحية لا تواجه إلا بما أعلمنا الإنجيل وهي "أخيرا يا إخوتي تقووا في الرب و في شدة قوته. البسوا سلاح الله الكامل لكي تقدروا أن تثبتوا ضد مكايد إبليس. فان مصارعتنا ليست مع دم و لحم بل مع الرؤساء مع السلاطين مع ولاة العالم على ظلمة هذا الدهر مع أجناد الشر الروحية في السماويات.
من اجل ذلك احملوا سلاح الله الكامل لكي تقدروا ان تقاوموا في اليوم الشرير و بعد ان تتمموا كل شيء ان تثبتوا. فاثبتوا ممنطقين احقاءكم بالحق و لابسين درع البر. و حاذين ارجلكم باستعدادانجيل السلام.
حاملين فوق الكل ترس الايمان الذي به تقدرون ان تطفئوا جميع سهام الشرير الملتهبة.
و خذوا خوذة الخلاص و سيف الروح الذي هو كلمة الله.مصلين بكل صلاة و طلبة كل وقت في الروح و ساهرين لهذا بعينه بكل مواظبة و طلبة لأجل جميع القديسين."(أف10:6-18)
-وللعلم فالإنجيل ضمن لنا نتيجة هذه المواجهة للحرب الروحية وهو ضمان من كلمة الله نفسه حيث أخبرنا معلمنا بولس الرسول بذلك" إذ أسلحة محاربتنا ليست جسدية بل قادرة بالله على هدم حصون.هادمين ظنونا و كل علو يرتفع ضد معرفة الله و مستاسرين كل فكر إلى طاعة المسيح" (2كو4:10)
فالنتيجة التي وعدنا بها الله في كلمته هي أنه حال استخدامنا الأسلحة الروحية التي رصدها لنا الإنجيل فإننا سنكون قادرون علي هدم حصون العدو ,هدم كل ظن وفكر وكل محاولة تريد أن ترتفع علي الله أو كنيسته بالتبعية. ولا تنسوا أنها وسائل ضمنها الله بكلمته .
2-أنه إذا ظللنا نطلب من الناس ونزيد من هذا .فتارة من المنظمات الحكومية ثم يأتي مطلب جديد الحماية الدولية فهذا لا يعني إلا إننا ننحي المسيح جانبا ونقول له وجدنا وسائل أخري .وهنا إعلان للفشل الروحي وعدم قدرتنا علي هز السماء والجبال كما فعلنا في القديم .فلقد هز ايليا السماء وانزل المطر ومنعه. وهز الشعب بالصلاة والصوم مع الإيمان جبل المقطم فتحرك .وقد أسفني أن أستمع إلي حديث بالنت نشر علي موقع صوت المسيحي الحر يقول فيه كاهن (فين الشباب القبطي فين المطالبة بحقوقكم دا انتوا اللي حركتوا جبل المقطم )فتسألنا أنا وأحبائي من أباء الدير هل تحرك جبل المقطم بالمطالبة والمظاهرة أم تحرك بالصلاة الحية والصوم مع الإيمان؟
وعلي الجانب الآخر تعزيت بكلمة أبونا مكاري يونان حينما قال لماذا نكلم ونطلب من الناس متي سنكلم رب الناس وهذا هو الحق .
3-بالنظر إلي الكنيسة في نظر المسيح والكنيسة في نظر الدولة ثم بالنظر إلي أولاد الكنيسة في نظر المسيح وأولاد الكنيسة في نظر الدولة ثم نعتبر للفارق الذي لا يقارن بين قوة المسيح وقوة الدولة بل قوات العالم كله. نستطيع أن نحدد ممن نطلب وإلي من نتضرع .أليس من الاجدي والأنفع أن تتحول ملايين الأرجل المعتصمة إلي ملايين من الركب المنحنية المصلية .أفلا نهز الجبال ونفتح السماء؟
وأسوق إليكم يا أحبائي من الأمثلة وهي أمثلة فقط أرجو قرأتها ثم الحكم لكم :
1-حين قام السادات برفع يده علي الكنيسة مبتدءا برأسها المنظورة قداسة البابا المعظم البابا شنودة الثالث حفظه الله للكنيسة سنينا عدة وأزمنة سلامية مديدة ثم علي الآباء الأساقفة والكهنة و كان والتاريخ يسجل ذلك قد أخرج من المعتقلات كثير من الجماعات الإسلامية بقصد قتل الأقباط في أحداث الزاوية فالكنيسة صلت فماذا حدث ودون مظاهرات ودون اعتصامات ودون مطالبات بحمايات مختلفة حدث أن يد الله هي التي عملت ودون أن يتوقع أحد أن الأيادي التي أخرجها لتقتل الأقباط قتلته هو"كل الة صورت ضدك لا تنجح و كل لسان يقوم عليك في القضاء تحكمين عليه هذا هو ميراث عبيد الرب و برهم من عندي يقول الرب (اش 54 : 17)
2-حين أراد السادات أيضا أن يقوم بتطبيق الشريعة الإسلامية ودون أن نتظاهر أو نعتصم قرر قداسة البابا صوم وصلاة فسقط القرار.
3-حينما ترك الرئيس السابق المظاهرات الهمجية التي كانت تقوم كل جمعة وتتطاول علي قداسة البابا ففي خلال أسابيع فعلت به المظاهرات شتي أنواع الاهانات وأسقطته .
4-حين أراد الجيش أن يقتطع من دير أبو سيفين بسيدي كرير ماذا فعلت الراهبات لم يعتصمن لم يتظاهرن بل صلين فقام الرئيس السابق مبارك بإعطاء أمرا لطنطاوي بإيقاف القرار وترك الدير كما هو.
5-بعد أحداث كنيسة القديسين قامت المظاهرات في أماكن شتي تطالب فقط بالقبض علي الجناة .وقامت الداخلية في ظل النظام السابق بإعلان القبض علي الجناة وفصلت قصة وهمية وصمتت المظاهرات .إلا أن الله لم يصمت عن حق أولاده .ففي نفس الشهر تقوم المظاهرات لإسقاط النظام وكما علمنا أن الداخلية في ظل النظام السابق هي التي خططت الحادث ودبرته فسقط النظام كله .المظاهرات قامت للقبض علي الجناة ويد الله أعلنت وفضحت وأسقطت الجاني الحقيقي دون أن يتوقع ولا يتخيل أحد ذلك .
6-ولا تنسوا يد الله التي تظهر دائما خلف كل الأحداث فبعد الكشح تنزل نيران من السماء وبعد صول كل من تطاول علي الكنيسة والشهداء نالته عقوبة السماء سريعا وغيرها .ولعل لكل واحد منا قصة يتذكرها.
هنا وقد أواجه بأكثر من سؤال لعل أهمهما هل ترفض المظاهرات والتعبير عن الرأي؟ثم هل تريد أن يكون الأقباط جبناء سلبيين؟
وهنا أرجوا من محبتكم السماح لي بالإجابة علي كلاهما:-
1-فبالنسبة إلي السؤال الأول هل أرفض المظاهرات والتعبير عن الرأي ؟
في الواقع أنه إذا أراد الأقباط استخدام الحق الدستوري الذي كفله الدستور في التعبير عن الرأي في مسيرة سلمية فلا غضاضة في هذا ولكن 1-لابد أن يكون هذا علي أساس ضيق وهو. نحن كمواطنين أقباط لنا الحق أن نعبر عن رأينا ومطالبنا إلي الحكومة في وقفة سلمية ولكن يتمثل هذا في وقفة سلمية يرفع فيها المشتركون اللافتات التي تعبر عن مطالبهم وحسب وفي نطاق محترم جدا جدا
.2- أن يخلوا هذا من كل المظاهر الدينية فلا ترفع فيه صلبان ولا تردد فيه عبارات دينية ولا صلوات ولا أي
وسائل دينية فأنت هنا تستخدم حق سياسي ليس للدين علاقة به فلا تقحم الدين في السياسية ولا السياسة في الدين فهذا غير مقبول.
3-يجب ألا يقود هذا الأمر كهنة أو رهبان علي الإطلاق فالكاهن مكانه المذبح والراهب مكانه المخدع في ديره يسكبان أنفسهما أمام الله ولذلك فصاحب العباءة السوداء كاهن أو راهب ليس له إلا ثلاثة أماكن يظهر فيها صوته المذبح يصرخ فيه إلي الله –المخدع يسكب نفسه فيه أمام الله –المنبر يعلم فيه كلام الله .
فالكاهن والراهب والاكليريكي هم نصيب الرب فإذا تكلموا يتكلموا مع الله وإذا تكلموا مع الناس يتكلمون عن الله وبكلام الله. فالكاهن أقيم حتى يتكلم مع الناس لا مع الحكام أم إذا تحول الكاهن إلي البحث عن الزعامة والقيادة السياسية فهذا هو الخطر.
2-بالنسبة إلي السؤال الثاني وهل تريد أن يكون الأقباط خانعين سلبيين ضعفاء ؟
للإجابة علي هذا السؤال لابد أن نعلم الفارق الشاسع بين الايجابية والقوة في الحياة الروحية من جهة كوني كمسيحي. والايجابية في المشاركة بكافة الأنشطة والمجالات التي ينبغي أن أتواجد فيها بصفتي مواطن في الدولة. فمن جهتي مواطن بالدولة ينبغي ألا أتكاسل فيما ينبغي أن أشترك وأتواجد فيه فصوتي في الانتخابات أمانة لا يجوز أن أتكاسل أو أمتنع .كما يجوز بناء علي دراية ووعي كاف أن ألتحق بحزب سياسي .كما يجوز ولا غضاضة في ذلك أن أشترك في مظاهرات سلمية تطالب بحقوق عامة كمظاهرة سلمية تطالب بتخفيض بعض السلع مثلا .هذه الايجابية مطلوبة بل والسلبية هنا لها مضار كثيرة جدا . أما الايجابية المسيحية من جهتي كمسيحي فالأمر مختلف .لأن الإيجابية الروحية هي أن تظهر قوة المسيح الذي فيك لا قوتك .تعلن صوت المسيح لا صوتك. تقدم المسيح الذي فيك وتسير بحسب كل ما يطلبه الإنجيل دون الدفع بحيل وأساليب من صنع عدو الخير أراد أن يزرعها كزوان بيننا دون أن ندري. وبناء عليه فلا بد أن تدرك انه متى ظهرت قوة الصلاة سوف يحترق إبليس متى زاد الأيمان سوف يهرب إبليس مني تجمعنا وأقمنا صلوات مشتركة مدعومة بإيمان حي حينئذ سيحترق الشيطان وتفضح حيله .يا أحبائي إن الشيطان يحترق ويهرب من الصلاة والصوم مع الأيمان بينما لا ولن يتأثر من اجتماع مليون وأكثر في مظاهرة أو اعتصام. وأؤكد لكم أن الآخر متي رآنا في ثوب مختلف متي رأي المسيح الذي فينا فحتما سوف يخزي أما متى رآنا وقد انتهجنا سياسات غريبة في المطالبة بحقوقنا كأولاد المسيح فسوف يجد نفسه علي قدم المساواة ولا اختلاف. وهنا يكون افرايم قد اختلط بالشعوب .
كما أريد أن أتسأل هل نريد أن نهرب من الصليب والآلام وكل الأتعاب التي بدونها لن ندخل ملكوت السموات .إن الكنيسة ومنذ أن نشأت هي كنيسة صليب وألم .كنيسة شهداء وطريق ضيق وعلي مر العصور كانت وستظل دماء الشهداء بذار الكنيسة فهل نريد المجد دون الآلام .هل نريد القيامة دون الصليب؟
-إن الصليب والألم والضيق والتعب كلها ستظل أمامنا ما دمنا مسيحيين فهذا ما سبق المسيح وأخبرنا به بل أن المسيحي اختار طواعية أن يحمل الصليب. هل مرة أو أكثر ؟يجيب المسيح " و قال للجميع ان اراد احد ان ياتي ورائي فلينكر نفسه و يحمل صليبه كل يوم و يتبعني (لو 9 : 23) .فالضيقات ستظل تعطي لنا بالقدر الكافي لدخول السماء " انه بضيقات كثيرة ينبغي ان ندخل ملكوت الله (اع 14 : 22)
- ثم لماذا لا نقرأ إرادة الله ونسمع صوته خلف الإحداث لماذا لا نري أن من وراء هذا كله دعوة لنجتمع معا ونتقرب إلي الله ونقدم صلوات وأصوام ودموع وطلبات وحياة أيمانية حية تجعل المسيح يري صورة أولاده وعروسه التي يريدها
وأخيرا أطلب إليكم جميعا أن تصلوا من أجل أن يحفظ الله مصر لنا جميعا وأن يحفظ الله الكنيسة ويديم علينا حياة ورئاسة أبينا المعظم البابا شنودة الثالث وشريكه في الخدمة الرسولية أسقنا المكرم الأنبا ساويرس وأن يحفظ إبائنا المطارنة الأساقفة والكهنة والرهبان وخدام الكنيسة وشعبها جميعه في حماية عريس نفوسنا الحقيقي يسوع المسيح له المجد إلي الأبد آمين
الراهب القس ثاؤفيلس المحرقيي