المغـارة
عندما تحدث القديس لوقا الإنجيليّ عن ميلاد المسيح، لم يذكر المغارة وإنَّما تحدّث عن مذود (لو6:2)، لكنَّ المسيح ولد في مذود داخل مغارة. وتُعد أقدم شهادة للمغارة أتتنا من القديس يوستينوس النابلسيّ، وهو بمصداق لأنَّ أصله فلسطينيّ، فهو إذن شاهد عيان، قوله حجة وثقة، فقد كتب في عام(155م) هذه الكلمات: " ولما لم يجد يوسف منزلاً في بيت لحم، أقام في مغارة تقع قرب البلدة، وهناك وضعت مريم المسيح وأضجعته في مذود ".
وهناك شهادة أُخرى ترجع إلى بداية القرن الثالث، أدلى بها العلامة أوريجانوس وذلك في رده على كلسُس الوثنيّ، فيقول: " أما بشأن ميلاد يسوع في بيت لحم فإذا أردنا برهاناً آخر بعد نبوة ميخا التي دونها في الأناجيل تلاميذ يسوع ، ففي بيت لحم المغارة حيث ولد، وفى المغارة المذود حيث لُف بالأقماط ".
وفى أواخر القرن الثالث يقول يوسابيوس القيصريّ المؤرخ الشهير، الذي كان من قيصرية فلسطين: " إنَّ سكان المكان يشهدون للرواية التى نقلها إليها أسلافهم.. ويدلّون على المغارة حيث وضعت مريم العذراء وليدها ".
فالرواية عن مكان ميلاد المسيح متواترة منذ القدم، ولهذا يقول مارِ يعقوب السروجيّ: " مغارة مفقودة صارت بيتاً، لذاك الذي تنازل ليفرغ المغائر والقبور من موتاهم، وكر مخوف حل فيه سيد العالمين، ذاك الذي السموات لم تضبطه أن يحل فيها، الحيّة التي عصتْ آدم وصار خبزها التراب، دخل الحكيم ليطلبها في المغائر والشقوق، شجرة الحياة نزل من المكان المرتفع الذي لعدن، وها في المغارة يبدد أثمارها على المائتين، الذي مثل الآب في الإشراق البهيّ، ها هو في المغارة يُلف بالأقماط ".
المــذود
ليس المذود الذي ولد فيه يسوع هو الرواق المزين الرشيق الهندسة، الذي شيَّده لابن داود رسَّامون مسيحيون وقد خجلوا من قذارة المذود الذي رقد فيه سيدهم! ولا هو المغارة النظيفة المزينة وقد راحت فيها الحيوانات في غيبوبة من الذهول، بينما الملائكة ينشرون أجنحتهم فوق سطحها، وقد جثا فى تقابل محكم الانتظام فريقاً من الملوك المتدثرين بمعاطفهم وآخرين من الرعاة بقبعاتهم، كما يتصورها عبثاً بائعي التماثيل! فقد تصلح هذا المغارة موضوع أحلام أحد الأشخاص أو عروسة بين أيدي الأطفال ولكنَّها ليست الموضع الذي ولد فيه يسوع!
إنَّ الزريبة هى مأوى البهائم، بل سجن البهائم التي تكدح في سبيل الإنسان، فهى خالية من الأعمدة المتوّجة بالزخارف، غارقة في العتمة، وتفوح منها روائح كريهة، هذا هو الموضع الذي ولد فيه ملك الملوك والذي يجب أن نفتخر به! لأنَّ يسوع ضرب لنا بحقارة محل ميلاده وعيشة الفقر التي عاشها وهو العظيم المالك كل شيء أروع الأمثلة عن التواضع والفقر الاختياريّ، وحفّز بذلك المساكين على الصبر محتملين ذلهم، والأغنياء على النزول إلى مستوى الفقراء ومواستهم!
لو أراد لولد في أعظم القصور، ولكن ما قيمة قصر يترمّد في زواياه جمر الحُب؟! ولهذا ولد المسيح في مذود حقير من أم فقيرة، ليكشف لنا سر العظمة الحقيقية، ويُعلن لنا أنها كائنة في الحياة الداخلية ذات المباديء السامية، لا في المال أو السلطة أو القوة، والذين يقولون غير هذا نفوسهم ضعيفة، وقلوبهم ملوثة، وضمائرهم سقيمة، إنَّهم يعيشون وهم العظمة لا حقيقتها، ولا يلبث لباس عظمتهم الزائف قليلاً حتى يتمزق فيكشف ما تحمله حياتهم الخفية من غش وفساد.. ألم يطرح عظماء أنفسهم تحت قدميه ويخروا ساجدين أمام مجده؟! وعندما ارتفع على الصليب ووصل إلى أقصى درجات الاحتقار ظهرت عظمته الحقيقية كإله السماء والأرض، الذي فزعت الطبيعة من منظره وهو عرياناً، حتى إنَّ الشمس لمّت إشعاعاتها والقمر هو الآخر لم يُعطِِ ضوءه!
نستطيع أن نقول: إن يوم ميلاد السيد المسيح هو عيداً للفقراء، لأنَّ ملكهم وسيدهم لم يرتدِ الثياب الأرجوانية، أو ينام على أسرة ذهبية، ولم يرضع ثدي أميرة.. وبهذا نالت البشرية أعظم دواء يشفيها من أخطر داء، الاتضاع الذي يقضي على الكبرياء!
المــذود
ليس المذود الذي ولد فيه يسوع هو الرواق المزين الرشيق الهندسة، الذي شيَّده لابن داود رسَّامون مسيحيون وقد خجلوا من قذارة المذود الذي رقد فيه سيدهم! ولا هو المغارة النظيفة المزينة وقد راحت فيها الحيوانات في غيبوبة من الذهول، بينما الملائكة ينشرون أجنحتهم فوق سطحها، وقد جثا فى تقابل محكم الانتظام فريقاً من الملوك المتدثرين بمعاطفهم وآخرين من الرعاة بقبعاتهم، كما يتصورها عبثاً بائعي التماثيل! فقد تصلح هذا المغارة موضوع أحلام أحد الأشخاص أو عروسة بين أيدي الأطفال ولكنَّها ليست الموضع الذي ولد فيه يسوع!
إنَّ الزريبة هى مأوى البهائم، بل سجن البهائم التي تكدح في سبيل الإنسان، فهى خالية من الأعمدة المتوّجة بالزخارف، غارقة في العتمة، وتفوح منها روائح كريهة، هذا هو الموضع الذي ولد فيه ملك الملوك والذي يجب أن نفتخر به! لأنَّ يسوع ضرب لنا بحقارة محل ميلاده وعيشة الفقر التي عاشها وهو العظيم المالك كل شيء أروع الأمثلة عن التواضع والفقر الاختياريّ، وحفّز بذلك المساكين على الصبر محتملين ذلهم، والأغنياء على النزول إلى مستوى الفقراء ومواستهم!
لو أراد لولد في أعظم القصور، ولكن ما قيمة قصر يترمّد في زواياه جمر الحُب؟! ولهذا ولد المسيح في مذود حقير من أم فقيرة، ليكشف لنا سر العظمة الحقيقية، ويُعلن لنا أنها كائنة في الحياة الداخلية ذات المباديء السامية، لا في المال أو السلطة أو القوة، والذين يقولون غير هذا نفوسهم ضعيفة، وقلوبهم ملوثة، وضمائرهم سقيمة، إنَّهم يعيشون وهم العظمة لا حقيقتها، ولا يلبث لباس عظمتهم الزائف قليلاً حتى يتمزق فيكشف ما تحمله حياتهم الخفية من غش وفساد.. ألم يطرح عظماء أنفسهم تحت قدميه ويخروا ساجدين أمام مجده؟! وعندما ارتفع على الصليب ووصل إلى أقصى درجات الاحتقار ظهرت عظمته الحقيقية كإله السماء والأرض، الذي فزعت الطبيعة من منظره وهو عرياناً، حتى إنَّ الشمس لمّت إشعاعاتها والقمر هو الآخر لم يُعطِِ ضوءه!
نستطيع أن نقول: إن يوم ميلاد السيد المسيح هو عيداً للفقراء، لأنَّ ملكهم وسيدهم لم يرتدِ الثياب الأرجوانية، أو ينام على أسرة ذهبية، ولم يرضع ثدي أميرة.. وبهذا نالت البشرية أعظم دواء يشفيها من أخطر داء، الاتضاع الذي يقضي على الكبرياء!