مرحباً بكم في مدونة دير السيدة العذراء المحرق وهي تحتوي علي تراث الدير وسير وصور قديسي وعلماء ورهبان الدير مع العلم أن هناك روابط لا تغتح إلا إذا كنت مشتركاً في الفيس بوك

الخميس، 29 مارس 2012

أيتها القبور

أيتها القبور

أنتِ التربة الخصبة التي عليها تُـلقى بذور الإنسان فتنطلق براعم الأبدية، البراعم الخضرة، العطرة، النقية، عند أعتابك ينتهى الزمن، وعلى أبوابك يصحو الفجر ذو العينين المنيرتين والأصابع الوردية.

أنتِ باب الأبدية، بداية الطريق إلى عالم النور والحق والحرية، على ترابك تسكن الآلام، وتكف الجراح عن الأنين، ويخرس الشك، وبين يديك يموت الضلال، وتسود الألفة بين الإنسان وسائر المخلوقات .

نظرت بين جدرانك فلم أرَ فقيراً، بل رأيت المساواة تسود بين البشر، ولم أرَ طبيباً لأنَّ المرض لن يدخل إليك، أو كاهناً لأنَّ الضمير أصبح الكاهن الأعظم، ولم أرَ محامياً لأنَّ طبيعة الحياة ألزمت الإنسان على عدم فعل الشر!

أيتها القبور

يا عيون الأبدية، يا كتاب التاريخ الحقيقيّ، الذي لا يمسّه الزور من قريب أو بعيد، يا سطور البداية والنهاية، يا أغرب لوحة، نصفها ظلام ونصفها نور، ألوانها مادية ونورانية، وملامحها زمنية وسماوية.

أيتها القبور أسألك

هل رأيتِ أمير النور وهو يشق حجارتك الصماء؟ أرأيت الفارس السماويّ الذي امتطى الزمن وهو يشعل النور في الظلام، أرأيتِ شمس البر وهو يغسل جدرانك بأشعته الإلهية، ويسكب على ترابك دمه وعرقه وينفخ في جدرانك أنفاسه الأزلية؟! قولي لنا بحق ماذا رأيتِ وماذا سمعت؟!

تعترف لك ياسيدي كل الأفواه المسدودة التى فتحتها، والألسن التى ربطها الموت وحللتها..يُرتل لك كل الأبرار والصديقين بقيثاراتهم من داخل قبورهم، لأنّك كسّرت قيود الحديد وحطّمت متاريس الهاوية

كل جنس الأموات يمجدونك كثيراً، لأنّك سحقت الحيّة الخبيئة وضمدت الجروح بصليبك.

الآن فليأتِِ آدم إلى جنّة عدن مسكنه الذي طُرد منّه، ولتأتِِ معه حواء، لأنَّ يسوع عتقها من صك إبليس الذي أغواها.

غطس مُخلّصنا في بحر الموت وصعد يحمل جوهرة الخلاص الثمينة، فلنفرح جميعاً بموته الذي أحيانا، ونمجد قبره لأنَّ منه خرج الخلاص.

إكليل الشوك

الشوك يرمز للخطية التى لولاها ما كانت الأرض قد لُعنت، ولا أنبتت شوكاً وحسكاً (تك17:3،18)، فكما أنَّ الشوك سهل الاحتراق، وعندما يشتعل يحرق كل من يقترب منه، هكذا أيضاً الخطية، كل من يقترب منها يحترق بنارها، كما أنَّها تقود إلى النار الأبدية، أليست الخطية هى التي تسببت في إحراق سدوم وعمورة بالنار والكبريت؟! (تك24:19).

هذا وقد تحدّث سفر الرؤيا عن البحيرة المتقدة بالنار والكبريت، ووصف عقاب الخاطيء بأنَّه " سَيَشْرَبُ مِنْ خَمْرِ غَضَبِ الله " (رؤ10:14)، ويشرح كمثال لهذا العقاب عقوبة بابل الزانية فيقول: " وَسَيَبْكِي وَيَنُوحُ عَلَيْهَا مُلُوكُ الأَرْضِ، الَّذِينَ زَنُوا وَتَنَعَّمُوا مَعَهَا، حِينَمَا يَنْظُرُونَ دُخَانَ حَرِيقِهَا " (رؤ9:18) .

وكما أنَّ الشوك يؤلـم كل من يمسكه ويسبب له جروحاً بالغة، هكذا الخطية لا نجني منها سوى الآلام والأحزان، وكما قال القديس أُغسطينوس: ما من سعادة يجنيها الإنسان من الخطية لأنَّ آلامها تفوق أفراحها ".

وإن كانت الخطية تبدو لذيذة في بدايتها لكن إلى حين، إذ سرعان ما تنقلب حلاوتها إلى مرارة، ويستطيع أن يتحقق من هذا كل خاطيء إذا سأل نفسه بعد كل خطية يسقط فيها: ماذا ربحت وماذا خسرت من خطيتي؟ قد تربح لذة وقتية، أو تجني مالاً وفيراً، أو تنال مركزاً مرموقاً.. لكنَّك ستخسر الله اللذة الحقيقية، الذي لذته تفوق كل لذة أرضية.

ولو تأمّلنا منظر الإكليل لرأينا أنَّه يأخذ شكلاً دائرياً، وهذا يُشير إلى أنَّ السيد المسيح قد رفع الخطية من دائرة العالم كله.

أمَّا كون الشوك أُخذ من الأرض التى لُعنت فهذا يعنى: إنَّ المسيح قد جاء ليستأصل اللعنة القديمة وينزع جذور الخطية من الأرض ولهذا قال أحد الآباء:

" أتى ليقلع الأشواك من الأرض.. حمل لعنة الأرض بالإكليل الذي وضعوه على رأسه، الخطايا والذنوب والأوجاع والآلام والضربات.. ضُفرت بالإكليل ووضعت على رأسه لكي يحملها.. خلع بإكليله الزرع الملعون الذي للحيّة.. قطعوا بأيديهم الأشواك التى اضطرت أن تنقلع وصارت إكليلاً لابن الله وذلك لكي يزيلها ".

جاء المسيح وحمل شوك الخطية على رأسه لينقذنا من لعنتها، لكن إن كان من الظاهر يحمل شوكاً على رأسه، فالداخل كان يحمل خطايا ولعنات البشرية كلّها، التى تجمّعت في هذا الإكليل وتراكمت على رأسه المقدّسة في شكل أشواك. وهكذا وضع الناس خطاياهم بأيديهم على رأس يسوع الذبيحـة الحقيقية، الذي جاء لُيذبح ويرفع خطايا العالم0

أرادوا أن يستهزئوا بملك الملوك، فماذا فعلوا؟ ألبسوه تاجاً، لا من جواهر نفيسة أو معادن كريمة بل من شوك، فصار كالوردة الجميلة المحاطة بأشواك الخطاة! وها نحن إلى الآن لا نَملْ من التطلّع إلى جمال منظرها، أو تنسم عبير رائحتها.

وهكذا حوّل المسيح بقيامته إكليل اللعنة والعار إلى إكليل المجد والبهاء، وضع إكليل شوك على رأسه ليرد آدم إلى رتبته الأولى، ممجداً ومتوَّجاً بإكليل النُصرة والغلبة، وأيضاً ليُسقط تاج الشيطان الذي ملك على البشر!!