مرحباً بكم في مدونة دير السيدة العذراء المحرق وهي تحتوي علي تراث الدير وسير وصور قديسي وعلماء ورهبان الدير مع العلم أن هناك روابط لا تغتح إلا إذا كنت مشتركاً في الفيس بوك

السبت، 30 مايو 2009

العلامة القمص يوحنا سلامة المحرقي


ولد هذا الأب البار فى عام 1878 بمدينة جرجا وكان والده كاهنا مباركا وأمه بارة تقية وسمياه باسم ( سيف ) تيمنا بالشهيد أبو سيفين حيث وافق يوم ميلاده عيد استشهاد هذا القديس العظيم .

وكانت هذه العائلة عائلة مثال للتقوى والروح المسيحية والخدمة.. فكان له أربعة أعمام كهنة مباركين مماكان له أكبر الاثر فى نفسه، فنشأ فى كنف الأسرة وفى حب الكنيسة وتغذىبالتعاليم المقدسة منذ حداثته .

وتدرج سيف فى التعليم حتى التحق بالمدرسةالاكليركية عام 1892م.وكان زميلا للأرشيدياكون حبيب جرجس الذى تولى ادارة المدرسة فيما بعد ومكث سيف فى المدرسة خمس سنوات ونال البكالوريوس عام 1898 ووقع عليهالاختيار ليكون مدرسا فى المدرسة اللاهوتية للرهبان بدير المحرق .

وبعد تخرجه من الكلية الاكليركية تزوج من عروس طيبة ولكن بعد فترة قصيرة ماتت العروس وانتقلت إلى السماء فرفض أن يتزوج بأخرى، واهتم بخدمته الدينية فأهتم بالوعظ الدينى فجال فى المدن المحيطة به يعظ ويعلم ولقد قيل عنه أنه كانت له مقدرة خطابية مدعمة بروح الكتاب المقدس يأثر سامعيه بليغا فى حجته وكانت الكلمات تخرج من فمه كاللآلئ اثمينة وأسلوب بسيط يفهمه العامة والبسطاء.

ثم تاقت نفسه لحياة الرهبنة فقصد دير السيدة االعذراء البرموس فى أول الأمر، إلا أن والده منعه من تنفيذ قصده.

انتدبه رئيس الدير المحرق ليكون ناظرا ومدرسا لمدرسة الرهبان فى الدير فتقدم إليه سيف طالبا الرهبنة ففرح الأب الأسقف بذلك جدا، وألبسه ثياب الرهبنة فى عام 1905، وجاء توقيت الرهبنة فى عيد الغطاس فدعى باسما لراهب يوحنا سلامة المحرقى.

وسلك فى الدير بغيرة عظيمة مقدسة عاكفا على الدراسة والبحث والاضطلاع فى مكتبة الدير وتميز بعلمه الغزير واتضاعه الجم وتحليه بالفضائل الرهبانية الأصيلة ، فكان دائم الصمت يجلس فى عزلة وهدوء فاكتسب بذلك ثناء ومحبة رئيس الدير والرهبان فأتخذوه أبا لهم وتتلمذوا على يديه فرسمه رئيس الدير قسا وعينه رئيسا لمدرسة الرهبان فى الدير وعلى يديه تخرج العديد من الرهبان الأتقياء ونهلوا من علمه وفضائله وحكمته.

واستمر عاماً معلما وناظرا للمدرسة وترقى قمصاًوكانت الارساليات الاجنبية فى ذلك الوقت قد بدأت تدخل وتتغلغل بين الشعب القبطى وكانت تذيع مبادئها وتعاليمها الغريبة عن إيمان وروح كنيستنا القبطية، وكانت تستخدم في ذلك كتب تباع بأسعار زهيدة لا تذكر لتيسير أهدافها ومبادئها..

فغار القمص يوحنا سلامة غيرة مقدسة على كنيسته وأحس بالخطر فغاص فى بطون الكتب وأخذ ينقب ويحفر ليبنى أساسا منيعا لا تجرفه سيول الهرطقات والأفكار الغريبة، وبعد مجهود ضخم لسنوات عديدة وضع كتابه الخالد عبر الزمان والنابض بروحانية الكنيسة وعقائدها وايمانها واسماه: " اللآلئ النفيسة فى شرح طقوس وعقائد الكنيسة ".


وعندما قدم هذه التحفة إلى قداسة البابا كيرلس الخامس سر بها جدا ، وأمر غبطته بطبع الكتاب وتدريسه على طلاب الاكليركية وفى المدارسة القبطية.وقد نفذت طبعته الأولى فور صدوره فتقرر طبعه مرة أخرى ، فبزع نجم القمص يوحنا سلامة فى سماء الكنيسة، ونال فى كل مكان يذهب إليه التكريم والثناء والمديح لحفاظه على أرثوذكسية الكلمة والعقيدة.


وفى عام 1918 اختاره الانبا صرابامون مطران السودان ليكون مساعدا له فى الخدمة بالسودان وجعله وكيلا للمطرانية هناك ،فقام بنشاط عظيم بين الأقباط هناك ولمع بريقه للكل فكان يعلم ويعظ ابناء الكنيسة ويسكب عليهم من علمه وروحانياته ، وفى هذه الفترة من حياته جال فى كل مكان ينشئ المدارس ويينى الكنائس ويعلو البناء .


وبعد نياحة البابا كيرلس الخامس قام فريق من الشعب القبطى بترشيحه للبطريركية، ولكن كان قد بدأ ترشيح المطارنة للكرسي الباباوى فنجح الانبا يوأنس فى الجلوس على كرسي مارمرقس ، وأما القمص يوحنا فلم يتوانى عن استكمال خدمته الجليلة فى السودان بالوعظ والتبشير والحفاظ على عقيدة الأباء والأجداد التى تسلمتها الكنيسة من جيل إلى جيل.

وهكذا أشرق القمص يوحنا سلامة بعلمه وتقواه ونسكه وفضائله فى السودان ، وجاهد فى ربوعها يبنى ويعلى البناء يوما بعد يوم فطلب الضال واسترد المطرود وأجبر المكسور وأعصب الجرح وأشادالجميع بمجهوده وعمله ، حتى اإن هيلاسيلاسى امبراطور أثيوبيا قد زاره ذات مرة وطلب منه أن تؤخذ له صورة معه .. كما زاره أمراء وأميرات اثيوبيا فرحين بما عملته يداه .. وقال عنه زعيم الجالية اليونانية فى السودان : لو كان عندنا رجل مثل أبونا يوحنا لأقمنـا له تمثال .


لقد بنى هذا الجبار صرحاً عظيماً وخدم جيله بكل تفانى وإخلاص.

واخيرا حينما حئت ساعة الرحيل أسلم روحه الطاهرة بين يدى الأب السماوى، الذى اشتم رائحة بخور حياته ونسكه وأعماله ومنحه ان يرتاح فى أحضان آبائه القديسين، وذلك فى يوم 28 ابريل سنة 1960 ودُفن جسده الطاهر فى مطرانية الخرطوم التى رواها بعرقه ودموعه.


بركة صلاته تكون معنا آمين .

الأربعاء، 6 مايو 2009

كنيسة السيدة العذراء الأثرية بدير المحرق


تنفرد هذه الكنيسة ببساطة بنائها فهى لا تدخل تحت المنهج العلمي للفن المعماري في الآثار القبطية، فهر بُنيت من الطوب اللبن والحوائط غير المنتظمة، وعدم وجود أية نقوش زخرفية عتيقة أو رسومات قبطية مرسومة على حوائطها وهذا يدفع الشاهد المتأمل إلى التعجب .

إن هذا الانفراد العجيب في عدم إمكان تطبيق القواعد العلمية بصورة صحيحة على هذه الكنيسة الفقيرة في بنائها لشاهد عظيم على قدمها وأصالتها. يؤكد ويشهد على أنه كان هناك تقليد قوي وروح مؤثرة عبر العصور على الذين عاشوا في هذا المكان، جعلهم يتركون الكنيسة على بساطتها حتى لو رمّموها.

ألم يكن في مقدورهم بناء كاتدرائية عظيمة مكانها لتكون مناسبة ومشرّفة لمكانة المكان الذي جاءت إليه العائلة المقدسة وباركته ؟! إن الباحث في معمار الكنائس القديمة في مصر، يجد أن بعض الكنائس بعدما أعيد ترميمها أصبحت تحفة فنية من الفن القبطي البديع، إلا أنه لم يحدث مثل هذا في كنيسة العذراء الأثرية أثناء ترميماتها المختلفة حتى القرن 19 الميلادي .


إذن لهو تقليد ثابت قديم راسخ في أعماق آباء هذا الدير وهو عدم تغير الكنيسة بناء على أمر إلهي مؤداه أن تبقى الكنيسة على ما هى عليه شاهدة عبر العصور على اتضاع الابن الوحيد الذي أخذ شكل العبد ليخلص شعبه ( على حسب ما أوضحته السيدة العذراء للبابا ثيؤفيلس 23 ).

الهيكل

فالكنيسة كما يشهد التقليد والتاريخ هى البيت المهجور الذي عاشت فيه العائلة المقدسة وبقى على مساحته كما هو حتى القرن 19 . وعندما تحول البيت في العصر المسيحي المبكر إلى كنيسة تم عمل التقاسيم والحواجز المناسبة لطقس الكنيسة، فتم عمل حضن الآب في شرقية الهيكل.

كما أنشئت حجرتان على جانبي الهيكل. يتضح فيهما البساطة البعيدة عن أي علم أو فن معماري إلا أنهما متطبعتان بالطقس الكنسي الأصيل العريق في القدم. فقد استخدمت الحجرة اليسرى لملابس الكهنة، وهي لذلك بدون باب يفتح على صحن الكنيسة.

والحجرة اليمنى فهى لخدمة الشمامسة وبها حفرة في الأرض أسفل الحائط الشرقي مباشرة لتفريغ الشورية بعد انتهاء الصلاة. وحينما أراد عامل البناء القبطي تحويل البيت إلى كنيسة وبناء الأعمدة الأربعة التى تحيط بالمذبح رمزا للإنجيليين الأربعة طبقا للنظام الكنسي ـ فلضيق المساحة، ولأسلوبه الريفي غير المتكلف شكّلها على الحائط الأيمن والأيسر للهيكل وعمل لها تيجاناً على شكل ( بصلة ).


مذبح الكنيسة الأثرية

وأهم ما في الهيكل المذبح ولهذا المذبح قصة عجيبة ذكرها المنتيح نيافة الأنبا غريغوريوس نقلاً عن بعض الشيوخ من رهبان الدير ( في الستينات من القرن العشرين ) ان أحد رؤساء الدير في القرن العشرين رأى أن المذبح صغير ولا يتسع للذبيحة المقدسة وأوانيها، فرغب في إزالة المذبح ليقيم مذبحاً آخر أكبر حجماً، فالراهب الذي تناول الفأس إطاعة لأمر الرئيس شُلت يده عندما ضرب أول ضربة. فصرخ وإمتنع عن مواصلة العمل ولم تعد يده إلى الحركة إلا بعد إسترحام وصلوات ودهنها بالزيت المقدس فكانت هذه المعجزة عبرة وعظة
.

والمذبح على شكل مكعب غير متساوي الأضلاع على سطحه رخامة لها حافة على شكل نصف دائرة ومنقوش عليها كتابة باللغة اليونانية نصها: نيح يارب الطوباوي كلتوس، تاريخها 15 كيهك سنة 463 ش الموافق 11 ديسمبر سنة 746 م ( حسب التقويم السائد في ذلك الزمان ).

وتُعتَبر هذه الرخامة النصف دائرية من الأشكال النادرة التي تنفرد بها المذابح القبطية الأثرية في مصر. وفكرة النصف دائرة هى تقليد قبطي قديم ظهر في الأيقونات التي تمثل العشاء الرباني وفيها المائدة على شكل النصف دائرة.ويلاحظ أيضا أن أبواب الهيكل الداخلية والخارجية وحتى أبواب الكنيسة نفسها كلها منخفضة الإرتفاع مما يجعل المؤمن المار خلالها. يُحنِى هامته خشوعا واحتراماً لبيت الربويعتبر الهيكل بحجرتيه.

والمذبح أقدم ما يوجد حاليا في الكنيسة الأثرية، ومع تعدد الترميمات أصبحت حوائطه سميكة
أما صحن الكنيسة تغيّر في القرن 19 الميلادي عما كان عليه، ولم يتبق من القديم ـ الذي قبل القرن 19 ـ إلا الحائط القبلي الممتد فى الخورسين الأول والثاني فقط. أما بقية الحوائط ـ ( بقية الجزء القبلي في الخورس الثالث والحائط الغربي والحائط البحري) ـ تم إنشاؤها فى القرن 19 الميلادي.

ترميم الكنيسة

ومن الصعب الجزم بأنه كانت هناك قباب قديمة أعلى صحن الكنسية من عدمه.ويشهد التاريخ ـ طبقا للمعلومات التي تم جمعها حتى الان ـ على أن الكنيسة لم تخّرب، ولكن بالطبع يجب أن ترمم من حين لأخر، لأن مبانيها من الطوب الأخضر ( اللبن ). والترميمات التي تم التوصل إليها هى:

+ فى القرن 16 الميلادي تم الترميم مع بناء القباب الثلاث أعلى الهيكل.
+ فى القرن 19 الميلادي تم توسيع صحن الكنيسة قليلاً، وبناء القباب السبع أعلى صحن الكنيسة محمولة على حنيات ركنية وأصبح لصحن الكنيسة ثلاثة خوارس، وهذا هو نفس التقسيم العريق للكنائس في القرون الأولى : وهو خورس السامعين ( أى الموعوظين قبل العماد ) وخورس الباكين ( أو التائبين ) وخورس المؤمنين ( المشتركين فى سر الإفخارستيا ).

كما أنشئت الصالة الخارجية يتوسطها عمودان ومغطاة بسقف خشبي وأنشئت على سطحها الكنيسة الحبشية وفي الثلاثينيات من القرن 20 الميلادي تم وضع طبقة من المصيص فى كل مبنى الكنيسة ( داخلها وخارجها ) ووضع البلاط فى أرضيتها وألغيت كنيسة الأحباش حيث تأثر المبنى من الأحمال الزائدة عليه.


حامل الأيقونات ( الأيقونستاسز )

يوجد حالياً في الكنيسة حاملان: الأول وهو أمام الهيكل مباشرة، يحجز بينه وبين صحن الكنيسة، ويرجع إلى القرن 16 / 17 الميلادي وعموماً وعلى حسب قول المؤرخ الكنسي الأنبا يوساب أسقف فوه في تاريخ البطاركة ـ أن البابا غبريال بن تريك 70 ( 1131 ـ 1145 م ) هو أول من أوجد فكرة المقاطع الخشبية على الهياكل لأنه لم يكن ثمة مقطع إلا على كنيسة أبى سرجة لا غير أما الثاني فبجوار الأول وهو حامل الأيقونات المنقول من كنيسة الأحباش ويرجع إلى القرن 19 الميلادي .


والايقونستاسز الأول مكون من قطع صغيرة من الخشب هندسية الشكل ومجمعة بدقة ـ بطريقة التعشيق ـ فى شكل وحدات متكررة على هيئة صليب محفور ومطعم بالعاج وفي زوايا الصليب الأربع يوجد شكل مطعم بالعاج يشبه السمكة وهى فى أول أطوار نموها ـ الخارج للحياة الجديدة ـ ترمز للبشائر الأربع التي للحياة الجديدة المرتكزة على صليب السيد المسيح مركز الحياة ونبعها الأصيل فى حياة المؤمن .


القناديل وبيض النعام


إذا كانت الكنيسة رمزا للسماء ، فالقناديل والشموع رمز للنجوم، لأنه إن كانت السماء المادية محلاّة بالأنوار ـ النجوم ـ فكم بالأولى يجب أن تحلّى السماء الروحية بهاوالأنوار في الكنيسة هى تسليم رسولي ـ حيث كانت العلية تضاء بمصابيح كثيرة ( راجع أع 20 : 8 ) ـ وليست رمزا مثل الذبائح التي أبطلت بذبيحة السيد المسيح الكفاريةفالقناديل الموقدة من زيت الزيتون النقي تعبر عن نور السيد المسيح الذي يشرق خلال قديسيه. وتوقد القناديل أمام الأيقونات فى الكنيسة أثناء الصلاة والقداس الإلهي .

أما قنديل الشرق فهو يضاء دائما حتى لا تدخل نار غريبة للكنيسة ورمزا لما قاله الرب لموسى عن أن السرج تكون موقدة على الدوام فى قبة الشهادة ( راجع خر 27 : 20 ـ 21 ) وهو يشير أيضا للنجم الذي ظهر للمجوس فى المشرق وكذلك القنديل الذي أمام باب الهيكل ( ولكنه ألغى حالياً بسبب عبث البعض به ) يجب أن يضاء أيضا باستمرار وكانت الكنيسة تزين بالقناديل المعلق بينها بيض النعام الذي يرمز إلى القيامة ( راجع ايوب 39 : 14، 15 ).

الاثنين، 4 مايو 2009

نشأة الرهبنة في دير المحرق


كان لموقع كنيسة السيدة العذراء الكائنة في البرية نصيب في جذب البعض إلى السكنى والتعبد بجوارها لما لها من البساطة وتواضع الحال وامتياز فريد حيث إنها كانت مأوى آمناً وملجأ مريحا للعائلة المقدسة التي عاشت فيها مغتربة عن الأهل، في صورة فقيرة متواضعة، فأصبح المكان مبروكاً بهم فكان لسان حال الذين أتوا للتعبد والانفراد حول الكنيسة أن كل من يأتي حباً في حياة البتولية متغرباً عن العالم ويعيش في فقر واتضاع كما عاشت العائلة المقدسة، سيمنح البركة التي باركها رب المجد لهذا المكان وينال إكليل الحياة الأبدية في ملكوت السموات.

وقيل إن بعضا من أولئك النساك الأول كان لهم علاقة طيبة بالقديس العظيم الأنبا أنطونيوس وبعد نياحة الأنبا باخوميوس أب الشركة انتشرت الأديرة الباخومية على يد تلاميذه ( مثل تادرس وأورزسيوس ) في كل أنحاء مصر كما أتبعت كثير من الجماعات الرهبانية الأخرى قوانين الأنبا باخوميوس دون الانضمام إلى أديرة الشركة الباخومية، وبنى البعض الأخر الأديرة واستقى من النظام الباخومي نظاماً خاصاً له وقد دلت الدراسة على أن بعضاَ من تلاميذ الأنبا باخوميوس أو على الأقل جماعة من رهبان الشركة الباخومية جاءوا إلى قسقام في النصف الأخير من القرن الرابع واشتركوا مع القاطنين حول الكنيسة في تأسيس الدير وإن كان غير معروف وقت مجيئهم بالتحديد.

إلا أنه حدث بعد نياحة الأنبا باخوميوس أب الشركة ( 346 م )[ لأنه قد أجمع الدارسون في حياة الشركة الباخومية أن الأنبا باخوميوس أب الشركة لم ينشئ إلا تسعة أديرة للرهبان وديرين للراهبات محصورة بين أخميم شمالاً وإسنا جنوباً ]
وقد كانت حياة الشركة تشبه جماعة الكنيسة الأولى حيث كان كل شئ مشتركاً بينهم ( أع 2 : 44 ) وأساس حياتهم الجسدية كان مركزّاً على الفقر والمسكنة وعدم امتلاك ممتلكات والهروب من محبة القِنْيَة.

أما مركز حياة الراهب الروحية فكان هو الكتاب المقدس وسر الإفخارستيا والصلاة الدائمة ويبدو أن الأسلوب التطبيقي للقوانين الباخومية في دير قسقام كان له الطابع الخاص لما اشتهر به الدير بانفتاحه على الزوار والملتجئين طلباً في الشفاء من مياه البئر التي باركها السيد المسيح، ولطلب دعاء وشفاعة والدة الإله العذراء القديسة مريم.


في الحقيقة إن المتأمل في تاريخ الدير عبر العصور لا يسعه إلا أن ينطق بكلمات الفخر والإعزاز والتبجيل لما قدمه الرب الإله لهذا المكان وبالأكثر للكنيسة الأثرية بيته المقدس ليكون سبب بركة وشفاء لكثيرين ومأوى آمنا للمكروبين. كما لا يفوت أيضا على المتأمل في تاريخ الدير ذلك العمق الروحي الذي نتج من المزيجَ العجيب لحياة الشركة والرهبنة الأسقيطية ومن ثم يمكن التوصل إلى خلاصة مؤداها أن الدير انفرد بسمة خاصة عن غيره من الأديرة الأخرى في ذلك الزمان وهى سمة الخدمة الروحية للمترددين والزوار وأن الذين أحبوا السيد المسيح من كل قلوبهم من الآباء الرهبان وغيرهم من القاطنين بالدير دأبوا على التفاني وبذل الذات لأجل تخفيف الألم عن المكروبين والمنكوبين ومعونة المرضى الملتجئين في طلب الشفاء من ماء البئر المقدسة مع الوعظ والإرشاد للحث على حياة التوبة وخلاص النفوس، دون أن يؤثر ذلك على حياة الراهب الداخلية وروحانيته، منطلقاً في حرية أولاد الله التي يضبطها العمق الروحي الذي نتج من ذلك المزيج العطر!!

لذلك فضَّل بعض رهبان الدير التوجه للكرازة ببشارة الملكوت إلى البلاد التي كانت تعتبر بعيدة في ذلك الحين مثل أيرلندا وعاشوا هناك وبشروا بكلمة الإنجيل ويذكر مهندس الأثار لبيب ى صليب في بحثه الذي نشره في عام 1964م تحت عنوان الفن القبطي المصري في العصر اليوناني الروماني ص 65 ما نصه الآتيورد في ليتورجية قديمة بأيرلندا:أ

ذكر يارب عبيدك رهبان دير المحرق الذين ردونا إلى الإيمان( وتجرى حالياً في الدير دراسة خاصة في هذا الشأن )ولكن هذا لا يمنع أن البعض اشتهى الوحدة والانفراد مفضلاً عدم البقاء والتوجه إلى البراري الداخلية أو شهيت ومن ثم يمكن رؤية الطابع الروحي لرهبان الدير، في أنهم عاشوا في البتولية والفقر الاختياري والاتضاع والمسكنة واحتقار أباطيل العالم، والزهد، والنسك بحكمة
.